قال الشيخ : قد ذكر في هذا الفصل أسماء غير مصادر في الأصل نصبت على المفعول المطلق ، وقد تقدّم ذكر ذلك (١) في أوّل هذا الباب ، ولكنّه ذكرها لغرض آخر ، وهو كونها انتصبت نصب المصادر ، ويلزم (٢) إضمار أفعالها الناصبة لها ، فالوجه الذي ذكرها لأجله ههنا غير الوجه الذي ذكرها من أجله أوّلا ، إذ لم يذكرها أوّلا باعتبار أنّ فعلها محذوف ، بل ذكرها مظهرا فعلها في مثل قولك : «رجع القهقرى» و «ضربته سوطا» ، وذكرها ههنا باعتبار لزوم إضمار الفعل ، وهو معنى قوله : «ذلك المجرى» إشارة إلى ما تقدّم من لزوم إضمار الفعل ، ثم قسمها قسمين : إلى ما هو في الأصل اسم لأجسام ، وإلى ما هو موضوع وضع الصفات ، ثم قصد بها إلى قصد مدلول الفعل ، فوجب أن يكون مفعولا مطلقا لذلك.
فالنوع الأول نحو : تربا وجندلا (٣) ، ومعلوم أنّ ذلك في الأصل اسم لهذه الأجسام المعروفة ، إلّا أنّ المتكلّم بقوله : تربا في الدّعاء لم يرد به إلّا الدّعاء / وإذا علم ذلك وجب أن يكون مصدرا ، إذ لا فرق بين قوله : خيبة وبين قوله : تربا ، وكذلك «جندلا» معناه إهلاكا ، وإذا علم ذلك وجب أن يحكم بالمصدريّة ، وكذلك قوله : فاها لفيك (٤) ، هذا في الأصل اسم للفم ، والضمير للدّاهية (٥) ، وقول القائل : «فاها لفيك» داعيا لم يرد به الفم ، وإنّما قصد الخيبة وإصابة الدّاهية ، كأنّه قيل : دهيت (٦) دهيا (٧) ، وإذا علم ذلك وجب الحكم بالمصدريّة ، وقيل : أصله : جعل الله فاها لفيك (٨) ، ثمّ كثر حتى صار عبارة عن إصابتها.
والنوع الثاني : نحو قوله : هنيئا مريئا (٩) ، لأنّ أصله صفة ، إذ هو من قولك : هنأ ومرأ ، فهو
__________________
(١) في د : «ذكره».
(٢) في د : «ولزم».
(٣) انظر الكتاب : ١ / ٣١٤ والمقتضب : ٣ / ٢٢٢.
(٤) قال سيبويه : «ومن ذلك قول العرب : فاهالفيك ، وإنما تريد فا الداهية» الكتاب : ١ / ٣١٥.
(٥) جاء بعدها في د : «أي : الزم فم الداهية».
(٦) في ط : «ذهبت» ، تصحيف.
(٧) في ط : «دهاء». ودهاء مصدر دهي. اللسان (دهي).
(٨) ذكر الميداني والزمخشري هذا ، انظر مجمع الأمثال : ٢ / ٧١ ، والمستقصى : ٢ / ١٧٩.
(٩) جاء بعدها في د : «أي : مقام هنء ، جعل الصفة مقام المصدر». وانظر الكتاب : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ ، وأمالي ابن الشجري : ١ / ٣٤٦.