أحدها : قالوا : إنّ الفاء زائدة (١) ، وهذا ليس بشيء ، لأنّ سيبويه لا يقول بزيادة الفاء ، فكيف يحتجّون له بشيء لا يقول به (٢)؟
الثاني : أنّ «إنّ» لم تدخل على «الذي» ، ونحن كلامنا في «إنّ» التي تدخل على الذي ، وليس أيضا بشيء ، لأنّ الصّفة والموصوف كالشّيء الواحد ، فلا فرق بين أن تدخل على الموصوف أو تدخل على الصّفة. (٣)
الثالث : أنّهم (٤) قالوا : إنّ الفاء ليست بزائدة (٥) ، وإنّما هي عاطفة جملة على جملة ، ويكون خبر «إنّ» قد تمّ بقوله : «الذي تفرّون منه» ، وهذا أقواها ، وهذا كله بحث المتأخرين (٦) ، والظّاهر أنّه مبنيّ على نقل الزمخشريّ ، وقد أوضحه معلّلا في غير المفصّل (٧) ، وهو بعيد من جهة النّقل والفقه ، أمّا النّقل فقد استشهد سيبويه (٨) في كتابه (٩) بعد قوله : «الذين ينفقون» بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ) ، وأمّا الفقه فيبعد منه وقوعه في مخالفة الواضحات. (١٠)
وقد يورد على مثل (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ) أنّ الفرار ليس سببا للموت ، فكيف أجيب به ، وأجيب من وجهين :
أحدهما : أنّ المعنى أنّ الفرار المظنون سببا للنّجاة سبب الإخبار (١١) بملاقاة (١٢) الموت معه ، كما ذكر في غيره.
__________________
(١) ممّن قال بهذا الفراء ، انظر معاني القرآن له : ٣ / ١٥٥ ـ ١٥٦ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢٦٧.
(٢) في د : «يقول هو به».
(٣) ذكر العكبري هذا القول ولم يعزه ، انظر إملاء ما منّ به الرحمن : ٢ / ٢٦١.
(٤) في الأصل. ط : «ان» تحريف وما أثبت عن د.
(٥) في د : «بجواب» ، تحريف.
(٦) ذكر الفراء هذا الوجه ونسبه إلى بعض المفسرين ، انظر معاني القرآن له : ٣ / ١٥٦.
(٧) انظر الكشاف : ٤ / ٩٧ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢٦٧.
(٨) سقط من د : «سيبويه».
(٩) انظر الكتاب : ٣ / ١٠٣.
(١٠) من قوله : «والظاهر أنه» إلى «الواضحات» نقل في حاشية شرح الكافية للرضي : ١ / ١٠٣ عن إيضاح المفصل لابن الحاجب على أنه يعني منع سيبويه من دخول الفاء في خبر إنّ.
(١١) وقع اضطراب في ط. في هذه العبارة إذ جاءت كمايلي : «أن الفرار المظنون سبب للنجاة وسبب الإخبار».
(١٢) في د : «للإخبار لملاقاة» ، تحريف.