الفصل الثالث
في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة الشريفة
قال ابن إسحاق : «لما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الخندق رجع (١) إلى المدينة والمسلمون ، ووضعوا السلاح ، فأتى جبريل ـ عليهالسلام ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، معتجرا (٢) بعمامة من إستبرق ، على بغلة عليها قطيفة من ديباج ـ السندس رقيق الديباج والإستبرق صفيقه ـ فقال : لقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ فقال : نعم ، فقال : ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم ، فأذّن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس : «من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة» (٣).
فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون ، فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة (٤) ، وقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى نزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتواثبت الأوس وقالوا : يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج ، فهم لنا ، فقال
__________________
(١) رجع الرسول صلىاللهعليهوسلم المدينة يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس.
انظر : الواقدي : المغازي ٢ / ٤٩٦ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٧٠.
(٢) الإعتجار أن يتعمم الرجل دون تلح ، أي لا يلقي شيئا تحت لحيته.
انظر : ابن منظور : اللسان مادة «عجر».
(٣) قول ابن إسحاق كذا ورد عند الواقدي في مغازيه ٢ / ٤٩٧ ، وابن هشام في السيرة ٢ / ٢٣٣ ، وابن سعد في طبقاته ٢ / ٧٤ ، والطبري في تاريخه ٢ / ٥٨١ ، وابن النجار في الدرة ٢ / ٣٥٤.
(٤) هذا ما ذكره ابن هشام في سيرته ٢ / ٢٣٥ ، والطبري في تاريخه ٢ / ٥٨٣ بينما يذكر الواقدي في مغازيه ٢ / ٤٩٦ ، وابن سعد في طبقاته ٢ / ٧٤ : «وحاصرهم خمسة عشر يوما» وهو ما نرجحه لأن الواقدي وابن سعد حددا بداية الغزو ونهايته بقولهما : «سار إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة ، فحاصرهم خمسة عشر يوما ، ثم انصرف يوم الخميس لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس».