العسكر ، فأبى ، وكان ذلك حكمة منه تدل على بعد نظره ، وسعة علمه بأخلاق العرب وطباعهم وقد ظهر أثر ذلك ، فإنه أدرك ما أراد ولم يسفك دما ، ولا زاد القبائل خلافا وعدوانا فيما بينهم ، وبعدا عن الدولة وتنكرا منها ، وسوء ظن بها كما كانت تفعل بعثات الدولة العسكرية ، بل أصلح إصلاحا لم يسبق إلى مثله.
قرأنا في الجرائد أن الشريف فاز وأفلح فيما أراد ، ونحن نعلم أن عبد العزيز ابن سعود كان قد استعد للقتال لمّا سمع بزحف الشريف على نجد ظنا منه أنه زحف بعسكر نظامي للقتال وإخضاعه بالقوة القاهرة.
ثم علم أن نية الشريف صالحة ، ومطلبه حق ، وأن القبائل الموالية تحارب معه كل أحد إلّا الشريف ، وأنه انضم إلى عسكر الشريف ألف خيال عربي من القبائل التي مر بها في الطريق إلى نجد ، فعلم أن الخبر له في السمع والطاعة (١).
__________________
(١) قال الريحاني في «تاريخ نجد الحديث» : وكان الواسطة في الصلح بين الشريف وابن سعود خالد بن لؤي أمير الخرمة ، وخالد هذا وأهله وإن كانوا من أشراف الحجاز هم منذ القدم على ولاء آل سعود ، فقد تمذهبوا بالمذهب الوهابي في أيام سعود الكبير ، وظلوا متمسكين به محافظين عليه. جاء خالد يحمل شروط الصلح ، وهو إن كان يدويا فهو على شيء من الذكاء والدهاء ، خاطب عبد العزيز بقوله : اسمه يا عبد العزيز : أنا أعلمك لا غاية للشريف سيئة ، لا والله ، ولكنه يلبي ويبقى في وجهه مع الترك ، فاكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك ، وأنا أتكفل برجوع سعد وأتكفل أن الشريف لا يتدخل في أمور نجد ، هذا إذا كنت لا تتجاوز الحدود ، أما إذا هو اعتدى عليك ، فأنا خالد بن لؤي عهد الله عليه ، فأكون معك ، والله كما كان آبائي مع آبائك ، وكما كان