سويلم لما أراد الله به من الخير فتلقى الشيخ وأكرمه وعاهده على القيام بنصرته وأن يمنعه مما يمنع عن نفسه وأولاده ، فلما بلغ أتباعه في حريملاء وفي العيينة قبول محمد بن سعود بأمره وهاجروا إلى الدرعية وهم نحو سبعين رجلا فيهم بعض الرؤساء من المعاصرة أبناء عم عثمان المناوئين له فأدرك عثمان خطأه في إخراج الشيخ وعلم أنه فتح على نفسه بابا من الشر فأراد أن يستدرك ذلك فركب وقدم على الشيخ في عدة من رجاله ، وحاول أن يسترضي الشيخ ليرجع معه ويقوم بنصرته فأحاله على محمد بن سعود فرفض ذلك ، فأخذ يدير الداء في الوسيلة التي يتلاقى بها هذا الأمر فلم يرى أسلم من المتابعة فيبايع الشيخ وتابعه إما عن عقيدة وإما عن مكبده ليدفع بها عن نفسه.
ومضت السنة الثامنة والخمسين بعد المائة والألف بالتحميدات ولم يقع بها حوادث تذكر ، وبما أن تاريخ هذه الدعوة وتطوراتها قد كفانا ابن بشر وابن غنام الكلام عليها بتاريخها من الناحية الدينية فقد قصرنا بحثنا في هذا الكتاب على الناحية السياسية التي لم تزل غامضة ، لأن المؤرخين القديمين والحديثين لم يعالجوها كتاريخ سياسي ، فابن بشر وابن غنام دونوها بصفة دينية محضة ، ووصموا مخالفي ابن سعود بالردة أو ما هو في معناها ، ولم ينظروا إلى أعمال هؤلاء الأمراء من الناحية السياسية الذي هي السبب المباشر لهذه المقاومة ، ولهذا وجب أن نتكلم عن حالة هؤلاء الأمراء من هذه الناحية ونعطيهم حقهم على قدر ما يستحقون ، وبقدر أعمالهم وآثرهم في التاريخ ، لأنهم الآن أصبحوا في ذمة التاريخ ، والتاريخ أمانة في ذمة المؤرخ يجب أن يؤديه على أصله نصحا بالرواية وحرصا على التحقيق.
***