فلما التقى العسكران ، ونشب بينهم الحرب ، فأما جليحة فبعض القبيلة أطاع ، والبعض الآخر هلك ، وأما عفك ففرقة انهزمت ، وفرقة دخلت قلعة شحير ، فقرب منها العسكر في الثامن والعشرين من شهر صفر ، فأنذرها الكتخدا ولم تغن النذر ، فرمى عليها بالأطواب ، وصمم على هدمها ، فلما تيقّن أهل القلعة تصميمه هربوا ليلا هم وعيالهم ، وتركوا الأموال والأثقال ، وفي الصباح هدمت القلعة ، وصارت أموالهم غنيمة ، وذلك بعد ما أحكم من اليوسفية السد وألبس المشايخ الطائعين خلعا ، والتزموا بأداء خمسين ألف درهم ، وعيّن لاستيفائها منهم شيخ خزاعة ، وجعل على السد عقيلا واللاونة ، ورجع إلى بغداد في الخامس والعشرين من ربيع الأول ، وقبّل أعتاب الوزير المشار داود باشا والي بغداد فألبسه خلعة من السمور تليق بأمثاله.
وفي سنة ١٢٣٥ ه (خمس وثلاثين ومائتين وألف): تمرّد آل دليم ، فجهّز [٤٧] عليهم الباشا عسكرا ، وأمّر عليه الكتخدا ، فسار إليهم وحذّرهم وأنذرهم ، فلم تغنهم النذر الأربعة منهم من مشايخهم أطاعوا فأمنهم الكتخدا وقبلهم ، وتحصّن الباقي بالأقيال مزمعين على القتال ، ففي يوم الثلاث ، عاشر ربيع الآخر ، انتشب القتال بين الفريقين من طلوع الشمس إلى بعد الزوال ، فهبّ رياح النصر على العسكر ، وقتلوا العصاة أشرّ قتلة ، وأكثر الأشقياء غرق في الدجلة ، وسبوا نسائهم وزراريهم ، ونهبت أموالهم وأمتعتهم ، فأرسل الكتخدا للباشا يبشّره بهذا النصر ، فردّ عليه الباشا جوابا مستصوبا أفعاله ، حامدا شجاعته وخصاله ، وبعد ذلك عزم الكتخدا على تأديب قبيلة زوبع وجميلة وآل عيسى ، وأهل قرية شفائي ، فإن الجميع بدت عليهم آثار الخروج والعصيان ، ومنعوا