فوصل الخبر إلى المترجم داود باشا ، فصار في حيرة ، فأشار عليه بعض خلّانه بالتقرب من بغداد لسلامة روحه ، ولأنه لا يكمل البدر إلّا بالسري ، ولو لا التغرب ما وصل الدرّ من البحور إلى النحور ، وأنشد :
ولا يقيم بدار الذلّ يألفها |
|
إلّا الأذلّات عير الحي والوتد |
فخرج من بغداد والإقبال يقول : بشراك بشراك ، والتقوى تتلو عليه ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ، لاثني عشرة خلت من ربيع الأول من السنة الرابعة والأربعين من مولده ، وهي الحادية والثلاثون بعد المائتين والألف ، ومعه مائتان وخمسون فارسا ممن يبيعون أرواحهم في حبه.
فلما بلغ كركوك كاتب الدولة العلية في طلب وزارة بغداد ، وأرسل لهم كتابا يتضمن من البلاغة أنواعا يدل على سعة باع كاتبه في جميع العلوم ، بل وفي الخفي من السياسيات والجلي ، فملأ عيون الدولة ، وعلموا أن في العراق رجلا ، وأرسلوا له فرمانا بأنه والي العراق ، البصرة ، وشهرزور ، وبغداد.
فلما وصل أمر السلطان محمود إليه قبله بالإجلال والإكرام على حسب الرسوم المقتضيها الحال ، وفي الحال كتب نسخا متعددة مجرّدة من صورة ذلك الفرمان العالي الواجب التعظيم والاحترام ، وأرسلها إلى من بيدهم الحل والعقد في نواحي بغداد ، مثل حمود بن ثامر ، والنقيب ، والكتخدا وغيرهم من أعيان بغداد لكي تنطفي الفتنة بمجرد سماعهم هذا الخبر ، فأزمع حمود على الرجوع إلى وطنه ، وتخلّى عن سعيد باشا ، وقال له : إنا نحميك ما دمت خادما للسلطان ، والآن ما يسعنا إلّا تأمين أوطاننا ، أو أن تسمع نصحنا ، فسافر معنا إلى أرضنا فهو أسلم لعاقبة