ثم دخلت سنة ١٢٣١ ه (إحدى وثلاثين ومائتين وألف) : قتل بنيه بن قرنيس الجرباء الطائي التعلي ، وأوتي برأسه إلى سعيد باشا ، وزير بغداد ، لما بينه وبينه من العداوة ، وبينه هذا من كرماء العرب وشجعانها ، حتى إنه كاد يحاكي فارس الثعامة في الفروسية والشجاعة ، وأعجب ما فيه الحياء فإن حياؤه يزيد على حياء البنت العذراء ، وكانت لا تظهر شجاعته ولا فروسيته إلا وقت الحرب ، وهو ينتمي إلى طيء.
فصل
في سبب خروج الوزير المترجم من بغداد
وسموّه إلى أعلى ذرى المجد
اعلم أن الوزير سعيد باشا لم يزل داود باشا ناصحا له خادما له ولأبيه ، جاريا على وفق أوامره ، وطالما كابد المشاق في المحافظة على راحة سعيد باشا ، وفي المحامات عن ملكه ، وطالما سهر الليالي الطوال في غزو العصاة أرضا ، لخاطر سعيد باشا ، وذلك شكرا لما لوالده عليه من النعم ، ومثل هذا الوزير جدير بحفظ حقوق الآلاء لما هو عليه من المروءة والشهامة والغيرة والنجدة ، وطهارة الباطن ، وجزالة الرأي ، والوفاء بالمواعيد ، وكان داود باشا لسعيد باشا الوالي ردّا وترسا وساعدا ، فلما رأى أرباب الأغراض تقربه حسدوه وأضمروا بعده ثم حتى يتم لهم غدرهم بالأمة ، ولا زالوا يلقون في حقه عند سعيد باشا أكاذيب ومختلقات ، ويدسون عليه مساوىء حلشاة وهو بريء منها.
فوافقهم سعيد باشا لكونه غرّا لا يفرق بين [٤١] صديقه وعدوّه ، فأضمر سعيد باشا قتل داود باشا وشاور بعض الناس في هذا الأمر ،