ثم إنّ مصطفى باشا ظهر أنه محبّ للعجم في الباطن ، فأرسل إلى مستلم البصرة سليمان بيك يخبره أن المدد من الدولة بعيد جدّا ، وأنه مطّلع على حقيقة الحال فيأمر سليمان بيك إما أن يصالح العجم ، أو أنه يسلّم لهم البلدة ، وأيضا كتب بخلاف الواقع إلى الدولة العلية أنا صلحنا مع العجم انتظم وأنهم رفعوا عساكرهم عن البصرة ، فلما سمع أهل البصرة هذا الخبر أيقنوا أنهم آلوا إلى التلاف فخرج أعيان البصرة إلى صادق خان رئيس عرضي العجم ، وطلبوا منه الأمان على النفوس والأعراض ، وأباحوا له ما سواهما ، فدخل البصرة وأباحها أياما وعمل فيها هو وعسكره من الهتك ما لم يسمع به في ملّة قط وقبض على أعيانها ، وعلى سليمان بيك ، وهذا خلاف المعاهدة وسبّ أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم على المنابر ، ونودي بحي على خير العمل ، وهرب العلماء ، وكل من له قدرة على الهروب ، وصار العجم يضربون الناس بالسياط والعصي لأجل المغارم وكل يوم يزيد البلاء إلى أن خرجت البصرة وفرّ أهلها.
وكتب الأديب عبد الله بن محمد الكردي البيتوشي كتابا جمع فيه من البلاغة أنواعا إلى سليمان بن عبد الله بن شاوي الحميري لكونه شيخا من شيوخ العراق ويذكّره فيه بالنخوة والمروءة ، ويبيّن له فضائل البصرة وأنها أساس جميع العلوم ، وأنه ينبغي نجدتها ونجدة أهلها ، ولكن بعد أخذها وهتكها تعذّر معاونة ابن شاوي لأهلها ، فلما تملك رئيس العرضي البصرة ، طمعت نفسه لأن يغزوا المنتفق وأغراه شؤمه لذلك ، فلما خرج من البصرة ووصل إلى ديار المنتفق اتفق أن قابله ثلاثون فارسا من فرسان المنتفق اتفاقا فنشب بينهم القتال وصبر الثلاثون فارسا صبر الكرام ، فكانت الهزيمة على جيش العجم وذلك في موضع يسمى الفضيلة قريبا من