ثم أدركت من الشيوخ الكبار عليا الواسطيّ (١) ، كان من الأولياء ملازم الصوم ، قد حمى عينيه النوم ، كان يقيم بالمدينة أو بمكة ، حتى إذا اشتاق إلى وطنه أخذ ركوته وخرج حتى يأتي أرض العراق لا يعترضه أحد من الأعراب ، ومن وجده أكرمه وبلّغه إلى حيث يأمن عليه ، قد عرفته العرب واعتقدته آل مهنّا اعتقادا عظيما ، حتى كانوا يصدرون عن رأيه ، ويتبركون بعصاه وثوبه ، وكان إذا جاء المدينة سكن إحدى المدرستين الشهابية أو الأزكجية ، ويخدمه جمال الدين المطري ويقوم به ، ويقتصر الشيخ عليه لا يكاد أحد يدنو منه لهيبته في النفوس.
وحكى لي جمال الدين رحمهالله : أنّ الشيخ بعث إلى الملك الناصر يقول له : أنا أضمن لك على الله قضاء ثلاث حوائج إن قضيت لي حاجة واحدة ، وهي إزالة هذا الشّبّاك الذي على الحجرة الشريفة ، فبلغه ذلك فتوقف ولم يفعل ، وليته فعل فإنّ في الشباك الذي يدور على الحجرة ، قطع جانب من المسجد ، وتحجيز كثير من الروضة المشرفة ، وفي كلّ زمان يجدّد ويعمر بما يتقوى به ويتأبّد ، وأدخلت فيه قطعة كبيرة لما أزيلت المقصورة ، وقد تقدّم ذلك. وللشيخ ـ رحمهالله ـ أنواع من الكرامات ، لحق بها أهل الولايات ، توفي ـ رحمهالله ـ في حدود الثلاثين وسبعمائة (٢).
ومثله من سكان المدرسة الشهابية الشيخ أبو الربيع سليمان الغماري (٣) رحمهالله ، كان من شأنه التجرد والتقلل من الدنيا والتعبد ، كان يأخذ في الموسم قوته كفافا ويتصدّق بما زاد ، وكان الشيخ عمر الخراز يشتري له إدامه ويحاول هو ذلك بنفسه ، ولم يزل كذلك حتى كفّ بصره ، فعرض عليه القيام بما يحتاج إليه من الإدام فلم يفعل ، وكان يضع القديرة على
__________________
(١) هو : علي بن الحسن الواسطي ، ذكره السخاوي في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣١٠ (٣١٢١) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «الدرر الكامنة» ٣ / ٣٧ (٨٢) ، «معجم الشيوخ» ٢ / ٢٤ (٥٢٥).
(٢) في مصادر ترجمته : سنة ٧٣٣ ، وكذا ذكر بهامش النسخة (ب) ، نقلا عن الأصل المنسوخ منه.
(٣) ذكره السخاوي في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٢٣ (١٦٥٣) ، نقلا عن ابن فرحون والمجد اللغوي.