فأطاعهم وتزوج والدتي ـ رحمهماالله ـ وكان بناؤه بها ليلة الاثنين الثالث عشر من شهر صفر عام اثنين وتسعين وستمائة ، فولدت له خمسة ذكور توفي منهم في حياته اثنان. وكان يقول : عندي مسرة بمن قدمته أكثر من مسرتي بكم رجاء ما وقع في تلك الحكاية ، نفعه الله بهما ، وكنت أول أولاده ، وكان مولدي يوم الثلاثاء السادس من جمادى الآخرة عام ثلاثة وتسعين وستمائة.
كان ـ رحمهالله ـ لا يزال مشغولا بنفسه وبذكره وقراءته واشتغاله بكتب العلم ، ليس مع الناس في شيء من أحوالهم الدنيوية ، ولم يصده العيال عن شيء من الأوراد والأفعال الصالحة التي كان عليها ، وكان ذا عيال كثيرة ، لم يمسه منهم قرابة لكن أصهاره قد جمعه معهم في بيت وفي نفقته ، ومع ذلك لم يكن يهمه شأنهم ولا شأن أولاده. بل قدم اشتغاله بالآخرة على كل شيء حتى كأنه خليّ من التعلقات رحمهالله ، وكلما نظرت إلى حالي وسعة مسكني وضيق خلقي وقلة صبري مع ما رأيته من ضيق مسكنه وسعة خلقه وطول صبره صغرت عند نفسي ، وأيست من خيري ، وأنى لي بحسن أخلاقه وحفظ لسانه!!
حكى الشيخ محمد الخراز رحمهالله والشيخ عمر الخراز رحمهالله ، أنه لما حج والدي معهما مع جماعاته المباركين الذي تقدم ذكرهم كانوا رفقة واحدة ، مع عدة جمالين.
قالا : فلما حججنا ورجعنا وكنا قريبا من المدينة المشرفة ، اجتمع الجمالون يتحدثون ويذكرون سيرة ركابهم معهم ، فقال جمّال والدي لأصحابه : يا جماعة أمّا رفيقي الذي أركبته فأخرس ، لم يتكلم منذ صحبته بكلمة ، فقال رفيقه : بل والله سمعته يوما يتكلم مع أصحابه ، وكانت هذه طريقته سفرا وحضرا ، لا يراه أحد جالسا في طريق ولا في حلقة فضول ، ولا يتكلم إلا جوابا ، وإن جاوب لم يفتح للفضول بابا.
كان القاضي فخر الدين محمّد بن محمّد بن الحارث المعروف بابن المسكين الفقيه الشافعي إذا لقيني يقبل عليّ ويسلّم ، ويقول : رحم الله والدك الشيخ أبا عبد الله ، ما كان أحسنه وأكثر أدبه وخيره.