جمال الدين أبي بكر محمد بن يوسف بن مسدي ، وصحب الشيخ أبا محمد المرجاني ، وخرج في صحبته للحج من تونس ، فلما وصل إلى مكة لحقه مرض فقال له الشيخ أبو محمد : هذا إشارة إلى الإقامة.
فأقام بها ولم يتعرف بأحد من الناس ، ولم يكن معه من النفقة غير ما أعدّه للطريق ، فبنى على التوكل على الله تعالى ، فعرف مكانه من العلم ، واشتهر بحسن الخط مع الضبط والصحة. فسأله بعض الناس في نسخ (الروضة) للشيخ محيي الدين النووي رحمهالله ، فنسخها له جميعا واستعان بما حصل له.
ثم انتقلت تلك النسخة مع بعض الشافعية إلى المدينة ، وهي اليوم في المدينة موقوفة في المدرسة الشهابية ، مع نسخة أخرى نسخها بعد إقامته في المدينة.
ثم حج ورجع إلى تونس ، فوجد الشيخ أبا محمد المرجاني قد انتقل إلى رحمة الله تعالى. فحمل ما له من الكتب ، وكانت كلها أو غالبها بخط يده ، وكانت كتبا كثيرة جليلة ، فلما وصل إلى الإسكندرية باعها ، حتى لم يبق معه إلا ما هو محتاج إليه من خطه وخط والده.
ثم قدم المدينة فسكن المدرسة الشهابية بين تلك الجماعة الذين تقدّم ذكرهم وفضائلهم ، وكانت نيته أن لا يشتغل بشيء غير نفسه ، ولا يتعرض بأحد من أبناء جنسه ، فألزموه حضور الدرس لأجل المسكن ، فلما حضر مع الطلبة اشتهر بينهم بعلمه وفضيلته.
وكان متفننا في عدة علوم ، فعظم عند الجماعة وأحبوه ولزموه ، واشتغلوا عليه بالفقه والعربية ، واشتغل عليه جماعة في علم الهيئة ، فأبان عن فضيلة تامة فكثر عليه المشتغلون في علم الميقات.
قال لي رحمهالله : كنت قد قطعت وقتي مع المشتغلين بعلم الميقات ، وحرت في الخلاص منهم ، حتى سمعت شخصا من العوام يقول يوما لجلسائه : ما رأيت أعلم من هذا المنجم.
قال : فقلت في نفسي : لقد أسأت باشتهاري بهذا العلم ، حتى يطلق عليّ هذا الاسم ، فتركت الاشتغال به.