نعير ، فوصل إلى المدينة في يوم السبت الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ستين وسبعمائة ، ووصل في تلك الأيام الأمير زين الدين عطية فلبس الخلعة وقرئ منشوره على دكة المؤذنين.
وكانت ولايته من الله تعالى كاسمه ، لما انطوت عليه سيرته من الخير والصلاح والتوكل على الله تعالى ، والزهد في الدنيا والكراهة في الأمر والنهي ، وسعيه في مصالح دينه ، قانتا لله خائفا منه منيبا إليه ، أوقاته مقسمة في الطاعة ما بين خلوة في عبادة ، أو نظر في مصالح رعيته ، دائم الصمت ، كثير الخشية ، يجلس في النادي فلا يخوض معهم ولا يضحك لضحكهم ، قد لزم السكون واشتغل قلبه بذكر معاده ، إذا صلى الصبح جلس في مصلاه ولا يتكلم حتى يصلي الضحى مع حسن توجه وإقبال على الله تعالى.
وانصلح بصلاحه جميع قرابته ، ورد المدينة إلى حالة يغبط أهلها على سكناها من العافية والأمن العظيم ، وسلامة الناس في أنفسهم وأهلهم وأموالهم ، وكان في الولاية كارها لو لا ما يخاف من خروجها عن آل منصور لو تخلى عنها ، ولم يزل يشكو من المكس والعشور ، ويمنع وزيره أن يدخله في مطعومه أو مشروبه ، حتى طهره الله بحسن نيته ، وصلاح سريرته ، وعوضه عنه خيرا منه من جهة السّلطان الملك الأشرف شعبان ، بإشارة الأمير الكبير ، ذي الحسنات العديدة ، والمآثر الحميدة ، أتابك الدولة المنصورة سيف الدين يلبغا ، فسرّ بذلك وحمد الله تعالى عليه.
ومع هذا فما كان أمير المدينة ولا يظهر بولايتها عزا ولا فخرا ، ولم يقم فيها سنة متوالية منذ ملكها إلى الآن ، بل يقيم فيها إخوته وولده كراهية من مباشرة الأحكام ، وخوفا من الوقوع في مظالم العباد ، ويوصي كل من استنابه في المدينة بحسن السيرة ، وصفاء السريرة ، ولا جرم أن أخاه وولده ، جدد الله سعدهم ، ساروا في الناس أحسن سيرة ، وتخلقوا بأخلاقه الحميدة ، جزاهم الله عن الناس خيرا.
ولمّا نهب آل منصور وضيع الحاج ، كان الأمير زين الدين حاضرا معهم ، فلم يتدنس بشيء من ذلك ، وتورع عنه ، ومن شأنه التورع عن المواريث التي يعلم أن أهلها غيب ، ويحفظها عليهم ، وينفذ وصايا الأموات