عادة من تقدمه من الأمراء ، فلما وصل إلى المحمل ، ترجل عن فرسه وأظهر الطاعة للسلطان ، وفرش له بساط ، وأخرجت الخلعة السلطانية ، فلبسها وأعطي العمامة ، فاشتغل بلفها ، فخرج عليه رجلان أشقران خبيثان فضرباه بخنجرين ، فأنفذا مقاتله واختفيا من حينهما ، فلم يعلم لهما خبر.
وظن آل منصور أن الأمر أشد من ذلك ، وأن الأمر غير قاصر ، فلم يتعرض له أحد غير أن نهبت جميلات يسيرات من أطراف الحاج ، فلما تراجع آل منصور هموا بإقامة فتنة ، وسفك دماء وما لا خير فيه ، فعصم الله الناس من ذلك بالأمير هبة بن جماز بن منصور ، فظهر منه يومئذ من الاحتساب في مصيبته ، والصبر على رزيته ، ما يعجز عنه الأئمة الأعلام ، فأمّن الناس وطيّب قلوبهم ، ونادى فيهم بالأمان ، فاطمأن الحاج وجرى على عادته في البيع والشراء ، جزاه الله خيرا ، وساعده على ذلك عمه الأمير زيان بن منصور ، المتحلي بحسن الأخلاق والشيم ، والصيانة والشجاعة والكرم.
ولما وقع بالأمير جماز ما وقع اجتمع الناس على الأمير هبة بن جماز ، وسألوه أن يقبل الولاية ، فامتنع.
وقال : أنا أجلس في القلعة لحفظ المدينة وأهلها ، وحفظ الأحواج ، فانظروا لهذا الأمر غيري ، فسألوا الأمير زيان في ذلك ، فامتنع.
وقال : لا أتقدم على أخي عطية ، وهو خيرنا وأديننا.
فاتفق رأي الناس على تقدمته ، وكان غائبا عند العرب ، فكتب إلى السلطان شفاعة في أن يولي عليهم الأمير زين الدين عطية بن منصور ، وذكروا أن آل منصور قابلوا ما وقع للأمير بالصبر والاحتساب ، وحفظ الحاج والطاعة للسلطان ، وتوجه الأمير نعير بن منصور إلى مصر ساعيا للأمير عطية في الولاية ، واستمر هبة بن جماز حاكما إلى رحيل الركب المصري من المدينة ، ثم خرج من المدينة وتوجه إلى عربه ، وطلع الأمير زيان إلى القلعة وحكم في المدينة.
ولما وصل نعير إلى مصر حبسه السلطان أياما ، ثم طلب وأخلع عليه ، وكتب للأمير عطية تقليدا بإمارة المدينة ، وبعث بالتقليد والخلعة مع الأمير