لهم : إذا سكت عنكم وعن أحكامكم فلا تطلبوا منه غير ذلك.
وقال لي القاضي نجم الدين مهنا بن سنان ـ وكان أعلمهم وأرأسهم : قطعت رزقنا يا فلان.
فقلت له : ما تريدون مني إذا لم أتعرض لكم؟
فقال : والله ما قطع رزقي إلا أنت ، صرت تكتب للناس بلا شيء ، فمن بقي يأتي إلينا؟! وكان مهنا بن سنان كاتب المدينة.
ولم أزل معهم كذلك حتى خمل ذكرهم ، وماتوا أحياء ، ولم يبق لهم في البلد أمر ولا نهي إلا في الشيء التافه والأمر النادر.
ولقد أدركت من حكامهم فوق عشرة من آل سنان ومن الصفيان الذين كانوا عند رباط المعين كلهم يحكم ويفصل الخصومة ، إلا أن الحكم كان له إذا حكم عليه القاضي من آل سنان أو يقول : ارفعني إلى الفقيه فيرفعه ولا يراجعه ، وكان الفقيه علي (١) يصلح ويسدد من غير أن يتطلع لشيء بخلاف القضاة يومئذ ، ثم لم يزل أمرهم يتقاصر ، وعددهم يقل ، حتى مات كبارهم.
ثم إن الفقيه الهوريني (٢) كفّ بصره في أثناء تلك السنة بسبب ماء نزل في عينيه ، فسافر إلى مصر مع الحاج ليقدح عينيه ويعود إلى المدينة ، واستمريت نائبا عنه في سنة سبع وأربعين ، وشدّدت على الإمامية في نكاح المتعة ونكلت بفاعلها ، وحملت الناس على مذهب مالك ، وأخملت البدعة وأظهرت السنّة ، وعزرت من تكلم في الصحابة رضياللهعنهم ، فلم يزد الناس إلا طاعة وإقبالا.
وفي تلك السنة لقيني عز الدين حسن المسكي وزير الأمير طفيل ، وكان من الوزراء العقلاء.
فقال لي : يا فلان خرج اليوم ملك من يد صاحبه يساوي عشرة آلاف ، بشهادة فلان وفلان ، والله هذان ما يقبلان فيما يساوي عشرة دراهم ، كيف
__________________
(١) هو : علي بن سنان بن نميلة ، وقد تقدم ذكره.
(٢) في جميع النسخ : «الحوريني» وهو تصحيف.