آخر ، ولم يأت يوم الجمعة إلا بكلفة بعد أن دخل عليه مانع بن علي ، وذلك في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.
ثم عزله واستناب شيخنا الإمام العلامة جمال الدين المطري في الحكم والخطابة والإمامة ، فكان جمالا للمنصب رحمهالله ، توفي القاضي شرف الدين رحمهالله بالمدينة ودفن شامي قبة سيدنا عثمان رضياللهعنه. وذلك في سنة خمس وأربعين وسبعمائة. ومولده بالقاهرة سنة أربع وسبعين وستمائة.
ثم ولي بعده الحكم والخطابة والإمامة الشيخ الإمام العلامة تقي الدين عبد الرحمن (١) بن جمال الدين بن عبد المؤمن بن أسيد بن عبد الملك الهوريني الشافعي المصري ، قدم المدينة في ذي الحجة آخر سنة خمس وأربعين.
وكان ـ رحمهالله ـ من قضاة العدل ، انتهت إليه الرئاسة والسياسة مع العلم الغزير والعقل الراجح الذي ليس عليه من يد ، لم يرق المنبر أحسن منه صورة وشكالة وشيبة ، مع الهيبة العظيمة ، والقيام في الحق والنصرة للشرع.
وفي تلك السنة استنابني في الحكم عنه فسلكت مع الناس سبيل السياسة وسددت الأحكام ، وجريت على الصلح بين الخصوم ، فمال إليّ أهل المدينة ، ورأوا أني لا آخذ منهم شيئا في حكم ولا إثبات ، ولا وراقة ، بل ربما أعطي من عندي من أتحقق ضرورته من الغرماء ، فأحبني أهل البلد ومالوا عن قضاة الإمامية واعتزلوهم وتركوا المحاكمة عندهم ، حتى إنّ القاضي حسن بن سنان الملقب عزير ، صار يجلس على باب زقاقنا فإذا رأى الخصمين دعاهما إليه فلا يلتفتان إليه ، لأنهم كانوا إذا حكموا ألحقوا المحكوم له رسولا أو ورقة يطلبون منه شيئا ، وإن كتبوا ورقة طلبوا عليها أجرا ، ويقبلون من الشهود من كان من رعاع الناس.
وبلغني أنهم اجتمعوا بالأمير طفيل وشكوا عليه ما يلقون مني ، فقال
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٣٧ (٢٤٧٩) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٤٧ / أ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٣٣٤ (٢٣١٨).