عظيم من آخر الليل إلى ضحوة النهار ، ثم انحدر ذلك السيل مع وادي الشظاة حتى حاذى جبل أحد ، وكادت تقارب حرة العريض ، وخاف الناس منها خوفا عظيما ووجلت القلوب ، ثم سكن قتيرها الذي يلي المدينة وطفيت مما يلي العريض بقدرة الله تعالى.
ورجعت تسير في الشرق ، واستمر عظمها وزيادتها في تلك الحرة وهي ترمي بشرر كالقصر وتأكل الأرض والحجارة.
وذكر جمال الدين المطري أن عزّ الدين سنجر (١) أخبره أن الأمير منيف بن شيحه بعثه يكشف خبرها ، فقرب منها ، فلم يجد لها حرا ولا ألما وراها تأكل الحجر دون الشجر (٢).
وذكر أنه وضع فيها سهما فوقع فيها النصل ولم يتغير العود ، وأنه أدار السهم فاحترق الريش فقط ، وقدر طول ذلك الوادي من النار بأربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال ، وعمقه قامة ونصف قامة. وهو يجري على وجه الأرض ، وتخرج منها مهاد وجبال صغار فتسير على الأرض ، وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك ، فإذا جمد صار أسود وقبل الجمود لونه أحمر ، وأما أمّ النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر ، والأم الكبيرة التي سالت النيران منها من عند قريظة ، وكان ضؤها يرى بمكة المشرفة ، والشمس والقمر من يوم طلعت ما يطلعان إلا كاسفان.
قال العلامة أبو شامة : وظهر عندنا بدمشق أثر ذلك الكسوف من ضعف نورها على الحيطان ، وكنا حيارى من سبب ذلك ، إلى أن بلغنا الخبر عن هذه النار ، وكل من ذكر هذه النار يقول في آخر كلامه : ولا أقدر أشرح وصفها على الكمال.
وقال سنان في آخر كتابه : وما أقدر أصف عظمها ، وما فيها من الأهوال.
__________________
(١) ذكره في «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٢٩ (١٦٧١) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) قال المطري في «التعريف» ، ص ٦١ : «... وظهر لي معنى أنها كانت تأكل الحجر ، ولا تأكل الشجر ، أنها كذلك لتحريم سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم شجر المدينة. فمنعت من أكل شجرها إكراما له لوجوب طاعته صلىاللهعليهوسلم على كل مخلوق ...» انتهى.