وأما ولده شمس الدين محمد (١) فلم ينتفع بما تركه له بل انفق جميعهم على بيعه ، وسافر ولده إلى البلاد ، وفتح الله عليه وتزوج وولد الأولاد ، وعاش بغير ما تركه له والده ، وكان من أعقل الناس وأحسنهم خلقا وخلقا وأجملهم صحبة ، وكان قارئا حسن الصوت ، وكان الشيخ شهاب الدين من الشيوخ العارفين الذين في كلامهم عظة للمتعظين. وتوفي شهاب الدين في سنة تسعة عشر وسبعمائة ، وتوفي ولده محمد في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، رحمهماالله تعالى.
وكان من إخواننا شمس الدين محمد بن عبد العزيز الجبرتي (٢) ـ تقدم ذكر والده في صدر الكتاب ـ وكان شمس الدين على بر وصدقة وإحسان إلى الناس ، وإيثار للفقراء ، وكان من رؤساء المدينة وأجاويدها ، ذا همة عليه ومرؤة سنية ، وكان ممن يرجع إليه في الرأي ، صحب بعد والده أمراء مصر ، وأخصهم به الملك نائب السلطنة ، فأحسنوا إليه ووالوه لما وجدوا فيه من الديانة والخدمة وحفظ المودة ، وكان يقضي حوائج الناس بما في يده وبما هو عند غيره ، يسعى في تحصيله ولو يرهن من حلي عياله كراهة أن يرجع سائله خائبا.
وكان مشهورا بالذكر الجميل ، وولي شهادة الحرم الشريف ، والنظر على جميع ما يأتيه من الحواصل ، وما ينشأ فيه من العمارات ، والنظر على الميضأة التي على باب السلام التي أنشأها السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي في سنة ست وثمانين وستمائة.
وكان إليه المرجع في جميع الآراء الصادرة عن شيوخ الحرم الشريف ، وملك الأملاك الحفيلة من النخيل والدور ، قل من نال من أولاد المجاورين مثله ، وخلف أولادا نجباء ، وأعقلهم وأرأسهم ولده الكبير سمّي باسم جده عبد العزيز (٣) وباشر وظائف والده ، وقام مقامه في الحفاظة والنباهة ، والكياسة والمروة ، وسياسة الناس ولين الجانب. توفي شمس الدين رحمهالله في سنة خمس وستين وسبعمائة.
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤١٢ (٣٦٠١).
(٢) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥٢٥ (٣٩٥٥) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٣) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» / ١٨٧ (٢٦٥٦).