قال لي : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في النوم فأنشدته بعض قصائدي فيه ، فبصق في فيّ وقال لي : لا فضّ فوك. فلم تسقط له سنّ ، وكان قد جاوز السبعين حين أخبرني بذلك. ولقد أعطيته يوما خشكانة يابسة قديمة لا تكاد تنكسر إلا بالحجر ، فأخذها وقرضها كأنها قطعة سكّر ، وكان يأخذ الدرهم النحاس فيقطعه بأسنانه نصفين ، وكان أعجوبة الزمان وطرفة الإخوان من أدب وشعر وحكايات ، من جلس إليه لا يكاد يحب فراقه ، وكان حسن البديهة سريع الجواب.
حكى لنا أنه كان ساكنا في مدرسة في مدينة تونس ، قال : فنزلت يوما في درج المدرسة كنت على عجل ، واتفق أن كان قاضي القضاة ابن عبد الرفيع طالعا في الدرجة ولم أشعر به ، فلما سمع حسّي قال قبل أن يراني : من النازل؟
فقلت : الطالع ، فغضب عليّ وأمر بإخراجي من المدرسة. وله مثل هذا كثير ، وسأذكر منه شيئا في ترجمة السراج.
ومن شعره :
بلغت بشعري في الصبا وعقيبه |
|
جميع الأماني من جميع المطالب |
فلما رأت عيناي سبعين حجة |
|
قريبا هجرت الشّعر هجر الأجانب |
أيجمل بالشيخ الذي ناهز الفنا |
|
بقاء على ذكر الصبا والكواعب |
حثثت السرى ليل الشباب فكيف لا |
|
أنيخ لدى صبح المشيب نجائبي |
لعمرك إن العمر يوم وليلة |
|
يكران والدنيا مناخ لراكب |
وقال في معنى قول الحكماء : من طال عمره كانت مصيبته في نفسه.
إذا طال عمر المرء سرّ وساءه |
|
على أيّ حال كان فقد الحبائب |
وفي نفسه إن مات قبل انتهائه |
|
مصيبته فالمرء رأس المصائب |
أنشد لنفسه في يوم العيد :
إنّ عيدا بطيبة وصلاة |
|
بمصلّى الرسول في يوم عيد |
نعم ضاق واسع الشكر عنها |
|
فهي بشرى لكلّ عبد سعيد |
كم تمنيتها فنلت التمني |
|
آخر العمر من مكان بعيد |