معهما ، ولا يطلب له أنس إلا بهما. وكان رحمهالله يحب التنزه والمشي إلى متفرجات المدينة ومنتزهاتها ، إذا خرج يخرج معه الأطعمة الفاخرة والأشياء المعدومة التي لا تكاد توجد عند غيره ، فيتحف بها الجماعة.
وكان فيه كرم وطيب نفس ، وولي الرئاسة (١) بعد والده وعقّب أولادا فقهاء نجباء ، أفضلهم شهاب الدين أحمد (٢) ، تفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة وجدّ في الطلب واجتهد ، وشارك في فنون متعددة وهو اليوم من أعيان جماعتهم ، ولكن توفي عبد الله والدهم في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، ومولده سنة أربع وسبعمائة.
وكان منهم محمد بن عبد الرّحمن (٣) المؤذن هو وأبوه وجده ، كان فقيها متفننا اشتغل بالعلم حتى ألف وصنف ، وكان في النحو واللغة إماما ، وفي علم الأدب والشعر هماما ، وكاتبني بقصيدة له أبانت عن فصاحته وبلاغته وقوة عربيته مطلعها :
حنانيك عبد الله زين المواكب |
|
فما أنت إلا البدر بين الكواكب |
وأبيات كثيرة. كان من إخواننا في الاشتغال بالعربية ، كنا نحضر جميعا عند والدي (٤) رحمهالله ، وعند الشيخ أبي عبد الله النحوي رحمهالله ، ولي معه مباحثات في مسائل كثيرة ، وكان ذا حردة وأنفة ، لا يجلس إلا مع الكبار ولا يتكلم إلا بكلمات كبار من غير تكبر ، وكان ورعا دينا حسن الصورة. لكن توفي رحمهالله في سنة عشرين وسبعمائة.
وكان منهم بل من خيارهم القاضي فخر الدين السنجاري أبو بكر بن ((٥)) عمل مؤذنا رجاء بركة النسبة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان جهوري
__________________
(١) يقصد بها : رئاسة الآذان ، ويطلق لقب ريس على مؤذني الحرم النبوي والمكي.
(٢) هو : أحمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم المصري المدني الحنفي المؤذن. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ١١٦ (٢١٢).
(٣) هو : محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي ، ويعرف بالمطري المدني. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥١٢ (٣٩١٦) ، «العقد الثمين» ٢ / ١٠٥ (٢٦١).
(٤) سيورد المؤلف ترجمة وافية عن والده بآخر هذا الكتاب.
(٥) سقط بجميع النسخ.