وحسن ظني فيه وتأدبت معه بعد ذلك. توفي رحمهالله في سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
وكان برباط الفاضل الشيخ الصّالح الولي الرباني عبد الرّحمن (١) الجبرتي ، كان من أرباب القلوب والكرامات وكان طول إقامته بالمدينة إذا صلى الصبح خرج إلى البريّة فما يأتي منها إلى غروب الشمس ولا يعلم أحد مكانه ، ينتقل كل يوم في موضع وقل أن يرى في المدينة نهارا هروبا من الاختلاط بالناس ، ويخبر أحيانا بالمغيبات.
وكان يقول لبعض من يأنس به ويحبه : يا فلان ألا تعطيني كذا. فيفرح الرجل بقوله فإذا أعطاه شيئا امتنع ، وقال : إلى وقت آخر إن شاء الله ، ويؤانس أصحابه بأنواع مثل ذلك ، وكان يقول رحمهالله : إنه من ذرية النجاشي صاحب المواصلة مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنه من بيت الملك ببلاده فخرج عن ذلك وصحب الصالحين.
وكانت له مع الشيخ العالم العامل قطب زمانه أبي محمد عبد الله بن أسعد اليافعي (٢) ، نفع الله ، به سياحات في ظهر المدينة ، وكان الشيخ عبد الرّحمن يحكي لبعض أصحابه أنه اتفق له مع الشيخ عبد الله كرامات في أيام السياحة ، وكان الشيخ عبد الله قبل توطنه مكة وزواجه بها أقام بالمدينة على قدم التجرد والوحدة والسياحات ، ثم تزوج بالمدينة في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة الحرة الصالحة العابدة ستيت أم محمد بن علي اليماني ، ثم فارقها وارتحل إلى مكة ولم يزل يتردد إلى المدينة ويجاور بها.
ومناقب الشيخ عبد الله وكراماته وأحواله وعلومه ومصنفاته ومجاهداته لا يحصرها حد ولا تنتهي بالعد ، كما قيل :
يفنى الكلام ولا يحيط بوصفه |
|
حسب المبالغ أن يكون مقصرا |
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٦٠ (٢٥٨٥) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٤٨ / أ.
(٢) هو صاحب كتاب «روض الرياحين» وغيرها من المصنفات. توفي سنة ٧٦٨ ه. ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٢ / ٢٤٧ ، «طبقات الشافعية» للأسنوي ٢ / ٥٩٧.