والشيخ محمد اليمني ووالدي ومثلهم كثير كالصّحيناتيين بأجمعهم ، وكان أكثر الناس صحبة لهم الشيخ أحمد القرشي والد محمد الصحيناتي ، وكان يعد من الصالحين الكبار المتقشفين الموسوسين عند الطهارة وعند الغسل والصلاة ، كان يدخل العين قبل قيام المؤذن للتذكير ، فلا يزال فيها حتى يمل منه الناس من كثرة الوسواس ، نسأل الله العافية ، وكان على قدم عظيم ربما لم يكن فيهم مثله ، ملازم الجماعة ومجالس العلم والخير ويهادي الجماعة ويتتلمذ لهم ، رحمهالله.
وكان للشيخ أبي الحسن الخراز أحباب أفراد من الناس الأكياس ، منهم الشيخ عمر بن عياد الخرّاز الأنصاري (١) والشيخ عمر المدّاس وعبد الله الخراز وجماعة كثيرون ، فأما الشيخ عمر فبلده الأندلس من أعمال الجزيرة الخضراء ، أعادها الله على المسلمين ، وله مع الإفرنج وقائع ومواطن عجيبة ، وكان والده عياد شيخ بلده ، فلما ضعف أهل تلك الناحية وغلب عليها الإفرنج ـ خذلهم الله ـ خرجوا من تلك البلاد ، وتوجه الشيخ عمر وأخوه إلى الحجاز ، فمات أخوه في نواحي الشام ، ووصل الشيخ عمر إلى المدينة ، وأقام بها وصحب الشيخ أبا محمد البسكري وجماعته ، وكان خصيصا بالشيخ أبي الحسن الخراز وجماعته ، وكان رحمهالله على قدم عظيم في الصّلاح والخير ومحبة الصالحين وقضاء حوائجهم ، وعدم الاكتراث بالدنيا في المأكل والملبس ، وكان له عليّ تربية وشفقة ، وكان يحملني في صغري ويفكّه أصحابه بي.
ولما حج والدي بوالدتي وكنت معهما صغيرا لم أفطم من الرضاع ، كان هذا الشيخ عمر يقوم عن والدتي بتربيتي ، حتى إنه كان يتنجس مرارا فلا يتقذر ولا يتسخّط ، فله علي حق يستوجب به الدعاء مني ، وكان له من الخدام أعوان صالحون قد تقدم ذكرهم في ذكر مختار المولد ، ولما بنى داره ساعده فيه إخوان محبون وأصدقاء ملاطفون ، فخفّت عليه مؤنتها ، رحمهمالله أجمعين.
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٥١ (٣٢٩٩) ، «الدرر الكامنة» ٣ / ١٨٢ (٤٢٩) ، نقلا عن ابن فرحون. ووقع في «الدرر الكامنة» : «عمر بن عياض الجزار» ، والصواب ما أثبت.