آيات الله في باب العزلة والصبر على القلة ، له كل يوم ختمة في الروضة المشرفة ، كان لا يعرف من الناس إلا نفسه ، جلس إليه أرغون نائب السلطان الملك الناصر فسأله عن حاله ، فلم يشفه في الجواب ، وسأله عن قراءته.
فقال له : كل يوم جمعة.
فقال له : فكيف لا ، وأنت ليس لك شاغل من أهل وعيال؟! طالت مدة حياته وهو على حاله لم يتبدل ولم يتغير.
وسكن معهم الرباط جماعة كثيرة من أهل الخير ؛ منهم الشيخ محمد الكازروني ، وعمر الكازروني ، والفيروز آبادي وجماعة غيرهم.
وكان من السّادة الكبار والأئمة الأخيار في الجد والاجتهاد الشيخ صفي الدّين أبو بكر بن أحمد السلامي (١) رحمهالله ، لو رأيته لرأيت رجلا أيّ رجل!! كان ذا دنيا عظيمة فتخلى عنها وتركها ورغب في الآخرة وأقبل عليها ، وانقطع في المدينة على عبادة عظيمة لا يفتر ليلا ولا نهارا ، كان يقف أواخر المسجد إلى أسطوان من الصبح إلى الظهر ، ومن الظهر إلى العصر ، لا يقطع ذلك إلا بالصلوات الفرائض في الروضة الشريفة ، وذلك مع شيخوخته وكبر سنّه ، فإذا جنّ عليه اللّيل حنّ إليه كما تحنّ الوالدة إلى ولدها.
وكان له إيثار عظيم بالدنيا ، وكان قرابته من السلّاميين يبعثون إليه بالأموال الكثيرة ليفرقها على مصارفها ويزيد عليها من ماله ، لم يكن للدنيا في عينه بهجة ، وله في الإيثار بها غرائب كان يحكيها عنه عز الدين دينار شيخ الخدام ، فإنه كان يصحبه ويعتقده ومثله يعتقد.
أعتق خداما ومماليك ، وبني له رباطان ؛ أحدهما مجاور للميضئة موقوف على الرجال والنساء ، والآخر موقوف على الرجال ، واشترى الدار التي كان يسكنها وهي في ظهر رباطه الموقوف على الرجال ، وكان الرباط حوشا لهذه الدار ، فأفرده للرجال وسد الباب الذي بينهما وهو بيّن إلى الآن ، وأوقف الدار المذكورة على الفقراء المجردين إن لم يكن سلاميون ،
__________________
(١) ترجمته في : «المغانم المطابة» الورقة ٢٢٨ / ب. والسلامي ـ بتشديد اللام ـ نسبة إلى السلّامية : قرية قرب الموصل.