فصدّقتهم العرب
لقلّة معرفتهم بحيل الروم ، وعدم معرفتهم بمنفعة تلك المرآة والمنارة ، وتخيّلوا
أنهم إذا أخذوا الذخائر والأموال أعادوا المرآة والمنارة كما كانت ، فهدموا مقدار
ثلثي المنارة ، فلم يجدوا فيها شيئا ، وهرب أولئك القسّيسون ، فعلموا حينئذ أنّها
خديعة ، فبنوها بالآجرّ ، ولم يقدروا أن يرفعوا إليها تلك الحجارة ، فلمّا أتمّوها
نصبوا عليها تلك المرآة كما كانت ، فصدئت ولم يروا فيها شيئا ، وبطل إحراقها.
والنصف الأسفل الذي من عمل ذي القرنين ، يدخل الآن من الباب الذي للمنارة ، وهو
مرتفع من الأرض مقدار عشرين ذراعا ، يصعد إليه على قناطر مبنيّة بالصخر المنحوت ،
فإذا دخل من باب المنارة يجد على يمينه بابا ، فيدخل منه إلى مجلس كبير عشرين
ذراعا مربّعا ، يدخل فيه الضوء من جانبي المرآة ، ثمّ يجد بيتا آخر مثلها ، ثمّ
مجلسا ثالثا ، ومجلسا رابعا كذلك.
قال : وقد عملت
الجنّ لسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في الإسكندرية مجلسا من أعمدة الرخام
الملوّن المجزّع كالجزع اليمانيّ ، المصقول كالمرآة ، إذا نظر الإنسان إليها يرى
من يمشي خلفه لصفائها. وكان عدد الأعمدة ثلاثمائة عمود ، وكلّ عمود ثلاثون ذراعا ،
وفي وسط المجلس عمود طوله مائة وإحدى عشر ذراعا ، وسقفه من حجر واحد أخضر مربّع ،
قطعته الجن. ومن جملة تلك الأعمدة عمود واحد يتحرّك شرقا وغربا ، يشاهد ذلك الناس
، ولا يرون ما سبب حركته!
قال : ومن جملة
عجائب الإسكندرية السواري والملعب الّذي كانوا يجتمعون فيه في يوم من السنة ،
ويرمون بأكرة ، فلا تقع في حجر أحد منهم إلا ملك مصر ، وكان يحضر هذا الملعب ما
شاء الله من الناس ما يزيد على ألف ألف رجل ؛ فلا يكون منهم أحد إلا وهو ينظر في
وجه صاحبه. ثمّ إن قرىء كتاب سمعوه جميعا ، أو لعب لون من ألوان اللعب رأوه عن
آخرهم.
قال : ومن عجائبها
المسلتان ، وهما جبلان قائمان على سرطانات من نحاس في أركانهما ، كلّ ركن على
سرطان ، فلو أراد أحد أن يدخل من جانبهما شيئا حتّى يعبر إلى جانبهما الآخر فعل.
قال : ومن عجائبها
عمودا الإعياء ، وهما عمودان ملقيان ، وراء كلّ عمود منهما جبل حصى كحصى الجمار ،
فمتى أقبل التّعب النّصب بسبع حصيّات من ذلك الحصى ، فاستلقى على أحدهما ، ثمّ
يرمي وراءه بالسبع حصيّات ، ويقوم ولا يلتفت ، ويمضي لطليّته ، قام كأنّه لم يتعب ولم يحسّ بشيء.
__________________