قال المسعوديّ : وطول المنارة في وقتنا هذا ـ وهو سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ـ وثلاثون ذراعا ، وكان طولها قديما نحو أربعمائة (١) ذراع ، وبناؤها في عصرنا ثلاثة (٢) أشكال ، فقريب من الثلث مربّع مبنيّ بالحجارة ، ثم بعد ذلك بناء مثمن الشكل مبنيّ بالأجرّ ومائتان والجصّ نحو ستين ذراعا ، وأعلاها مدوّر الشكل.
قال صاحب مباهج الفكر : وكان أحمد بن طولون بنى في أعلاها قبّة من خشب ، فهدمتها الرياح ، فبني مكانها مسجد في أيّام الملك الكامل صاحب مصر. ثمّ إنّ وجهها البحريّ تداعى ، وكذلك الرصيف الذي بين يديها من جهة البحر ، وكادا ينهدمان ؛ وذلك أيام الملك الظّاهر ركن الدين (٣) بيبرس ، فرمّه وأصلحه. انتهى.
وذكر ابن فضل الله في مسالكه أنّ هذه المنارة قد خربت وبقيت أثرا بلا عين ، وكان هذا وقع في أيّام قلاوون (٤) أو ولده.
وقال ابن المتوّج في كتاب إيقاظ المتغفّل : من العجائب منارة الإسكندرية التي بناها ذو القرنين ، كان طولها أكثر من ثلاثمائة ذراع ، مبنيّة بالحجر المنحوت ، مربّعة الأسفل ، وفوق المنارة المربّعة منارة مثمّنة مبنيّة بالآجرّ ، وفوق المنارة المثمّنة منارة مدوّرة ، وكانت كلّها مبنية بالصخر المنحوت على أكثر من مائتي ذراع ، وكان عليها مرآة من الحديد الصينيّ ، عرضها سبعة أذرع ، كانوا يرون فيها جميع من يخرج من البحر من جميع بلاد الروم ، فإن كانوا أعداء تركوهم حتّى يقربوا من الإسكندريّة ، فإذا قربوا منها ومالت الشمس للغروب أداروا المرآة مقابلة الشمس ، فاستقبلوا بها السفن ، حتّى يقع شعاع الشمس في ضوء المرآة على السفن ، فتحرق السفن في البحر عن آخرها ، ويهلك كلّ من فيها. وكانوا يؤدّون الخراج ليأمنوا بذلك من إحراق المرآة لسفنهم ، فلمّا فتح عمرو بن العاص الإسكندريّة احتالت الروم بأن بعثت جماعة من القسّيسين المستعربين ، وأظهروا أنّهم مسلمون ، وأخرجوا كتابا زعموا أنّ ذخائر ذي القرنين في جوف المنارة ،
__________________
(١) في مروج الذهب ١ / ٤١٨ : ألف ذراع.
(٢) هذا الكلام غير موجود في مروج الذهب.
(٣) الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداري الصالحي التركي الجنس أحد المماليك البحرية ، جلس على تخت السلطنة سنة ٦٥٨ ه ومات بدمشق سنة ٦٧٦ ه. [الخطط المقريزية للمقريزي : ٢ / ٢٣٨].
(٤) سيف الدين قلاوون الألفي : أحد المماليك الأتراك البحرية ، تسلطن سنة ٦٧٨ ه ، وتوفي سنة ٦٨٩ ه ، وقام بعده ابنه السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٨].