ذكر منارة الإسكندرية وبقيّة عجائبها
قال صاحب مباهج الفكر : من عجائب المباني بأرض مصر منارة الإسكندريّة ، وهي مبنيّة بحجارة مهندمة مضبّبة بالرّصاص ، على قناطر من زجاج ، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس ، وفيها نحو ثلاثمائة بيت ، بعضها فوق بعض ، تصعد الدابّة بحملها إلى سائر البيوت من داخلها ، وللبيوت طاقات تنظر إلى البحر.
واختلف أهل التاريخ فيمن بناها ؛ فقيل : إنّها من بناء الإسكندر (١) ، وقيل : من بناء دلوكة الملكة. ويقال : إنّ طولها كان ألف ذراع ، وكان في أعلاها تماثيل من نحاس ، منها تمثال قد أشار بسبّابة يده اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك ، يدور معها حيثما دارت. ومنها تمثال وجهه (٢) إلى البحر ، متى صار العدوّ منهم على نحو من ليلة سمع له صوت هائل (٣) ، يعلم به أهل المدينة طروق العدوّ. ومنها تمثال كلّما مضى من الليل (٤) ساعة صوّت صوتا مطرّبا ، وكان بأعلاه مرآة ترى منها قسطنطينيّة ، وبينهما عرض البحر ، فكلّما جهّز الروم جيشا رئي في المرآة.
وحكى المسعوديّ أنّ هذه المنارة كانت في وسط الإسكندريّة ، وأنّها تعدّ من بنيان العالم العجيب ، بناها بعض ملوك اليونان ، يقال إنّه الإسكندر ، لما كان بينهم وبين الروم من الحروب ، فجعلوا هذه المنارة مرقبا ، وجعلوا فيها مرآة من الأحجار المشقّقة ، تشاهد فيها مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها ، ولم تزل كذلك إلى أن ملكها المسلمون ، فاحتال ملك الروم لمّا انتفع بها المسلمون في ذلك على الوليد بن عبد الملك ، بأن أنفذ أحد خواصّه ، ومعه جماعة إلى بعض ثغور الشام ؛ على أنه راغب في الإسلام ، فوصل إلى الوليد ، وأظهر الإسلام ، وأخرج كنوزا ودفائن كانت بالشام ؛ ممّا حمل الوليد على أن صدّقه على أنّ تحت المنارة أموالا ودفائن وأسلحة ، دفنها الإسكندر. فجهزه مع جماعة من ثقاته إلى الإسكندريّة ، فهدم ثلث (٥) المنارة ، وأزال المرآة ، ثمّ فطن الناس إلى أنّها مكيدة ، فاستشعر ذلك ، فهرب في مركب كانت معدّة له ، ثمّ بنى ما تهدّم بالجصّ والآجرّ.
__________________
(١) انظر خبر بناء الإسكندر للمنارة في مادة الإسكندرية بمعجم البلدان.
(٢) في مروج الذهب ١ / ٤١٧ : يشير بيده إلى البحر.
(٣) وفيه أيضا : يسمع من ميلين أو ثلاثة.
(٤) وفيه أيضا : والنهار.
(٥) في مروج الذهب ١ / ٤١٨ : نصف المنارة.