الطوفان يوجد ، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يخاف عليه من الذهاب والدّثور ، كلّ هرم (١) منها مربّع القاعدة مخروط الشكل ، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعا ، يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع ؛ كلّ ضلع منها أربعمائة ذراع وستّون ذراعا ، ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستّة أذرع في مثلها. ويقال إنّه كان عليه حجر شبه المكبّة ، فرمته الرياح العواصف وهو مع هذا العظم من إحكام الصنعة وإتقان الهندسة ، وحسن التقدير ؛ بحيث أنّه لم يتأثّر الآن بعصف الرياح ، وهطل السحاب ، وزعزعة الزلازل ؛ وهذا البناء ليس بين حجارته ملاط إلّا ما يتخيّل أنّه ثوب أبيض ، فرش بين حجرين ، أو ورقة ، ولا يتخلّل بينهما الشعرة ، وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين. ويقال : إنّ بانيهما جعل لهما أبوابا على أدراج مبنيّة بالحجارة في الأرض ؛ طول كلّ حجر منها عشرون ذراعا ، وكلّ باب من حجر واحد يدور بلولب ، إذا أطبق لم يعلم أنّه باب ، يدخل من كلّ باب منها إلى سبعة بيوت ، كلّ بيت على اسم كوكب من الكواكب السبعة ، وكلّها مقفلة بأقفال ، وحذاء (٢) كلّ بيت صنم من ذهب مجوّف ، إحدى يديه على فيه ، في جبهته كتابة بالمسند ، إذا قرئت انفتح فوه ، فيؤخذ منه مفتاح ذلك القفل فيفتح به.
والقبط تزعم أنّهما والهرم الصغير الملوّن قبور ، فالهرم الشرقيّ فيه سوريد الملك ، وفي الهرم الغربيّ أخوه هرجيب ، والهرم الملوّن فيه أفريبون بن هرجيب.
والصّابئة تزعم أنّ أحدهما قبر شيث ، والآخر قبر هرمس ، والملوّن قبر صاب بن هرمس ؛ وإليه تنسب الصابئة ، وهم يحجّون إليها ، ويذبحون عندها الدّيكة والعجول السود ، ويبخّرون بدخن. ولمّا فتحه المأمون ، فتح إلى زلّاقة ضيّقة من الحجر الصوّان الأسود الذي لا يعمل فيه الحديد ، بين حاجزين ملتصقين بالحائط ، قد نقر في الزلاقة حفر يتمسّك الصاعد بتلك الحفر ، ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلّا يزلق ، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر. ويقال : إنّ أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب ، وانتهت بهم الزلاقة إلى موضع مربّع في وسط حوض من حجر صلد مغطّى ، فلمّا كشف عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلّا رمّة بالية.
__________________
(١) هرم خوفو ارتفاعه ١٤٦ م ، خفرع ٥ ، ١٤٣ م ، منقرع ٥ ، ٦٦ م.
أضلاع قاعدة هرم خوفو ٢٣٠ م ، مساحة قاعدته ١٣ فدّانا ، وزنه بالتقريب ٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٥ طن. [المعرفة : ٣٨٦ ، ٣٨٧].
(٢) مقابل.