الوقت إلى زمان نبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم ستّة وثلاثون ألف سنة. وقيل : اثنان وسبعون ألفا ، وقيل : إنّ القلم الذي عليها تاريخه قبل بناء مصر بأربعة آلاف سنة ولا يعرفه أحد.
قال : ولما ملك أحمد بن (١) طولون مصر ، حفر على أبواب الأهرام فوجدوا في الحفر قطعة مرجان مكتوبا عليها سطورا باليوناني ، فأحضر من يعرف ذلك القلم ، فإذا هي أبيات شعر ، فترجمت فكان فيها :
أنا من بنى الأهرام في مصر كلّها |
|
ومالكها قدما بها والمقدّم |
تركت بها آثار علمي وحكمتي |
|
على الدّهر لا تبلى ولا تتثلّم |
وفيها كنوز جمّة وعجائب |
|
والدّهر لين مرّة وتهجّم |
وفيها علومي كلّها غير أنّني |
|
أرى قبل هذا أن أموت فتعلم |
ستفتح أقفالي ، وتبدو عجائبي |
|
وفي ليلة في آخر الدهر تنجم |
ثمان وتسع واثنتان وأربع |
|
وسبعون من بعد المئين فتسلم |
ومن بعد هذا جزء تسعين برهة |
|
وتلقى البرابي صخرها وتهدّم |
تدبّر فعالي في صخور قطعتها |
|
ستبقى ، وأفنى قبلها ثمّ تعدم |
فجمع أحمد بن طولون الحكماء ، وأمرهم بحساب هذه المدّة ، فلم يقدروا على تحقيق ذلك ، فيئس من فتحها.
قال صاحب مباهج الفكر : ومن المباني الّتي يبلى الزمان ولا تبلى ، وتدرس معالمه وأخبارها لا تدرس ولا تبلى ، الأهرام الّتي بأعمال مصر ، وهي أهرام كثيرة ، أعظمها الهرمان اللّذان بجيزة مصر ، ويقال : إنّ بانيهما سوريد بن سلهوق بن شرياق ، بناهما قبل الطوفان لرؤيا رآها ، فقصّها على الكهنة ، فنظروا فيما تدلّ عليه الكواكب النيّرة من أحداث تحدث في العالم ، وأقاموا مراكزها في وقت المسيلة ، فدلّت على أنّها نازلة من السّماء ، تحيط بوجه الأرض ، فأمر حينئذ ببناء البرابي والأهرام العظام ، وصوّر فيها صور الكواكب ودرجها وما لها من الأعمال وأسرار الطبائع ، والنواميس وعمل الصنعة. ويقال : إنّ هرمس المثلّث الموصوف بالحكمة ـ وهو الذي تسمّيه العبرانيون أخنوخ ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام ـ استدلّ من أحوال الكواكب على كون
__________________
(١) هو أبو العباس أحمد بن طولون صاحب الديار المصرية والشامية والثغور ، كان المعتز بالله قد ولاه مصر ، كان عادلا جوادا شجاعا متواضعا. ولد سنة ٢٢٠ ه وتوفي سنة ٢٧٠ ه. [وفيات الأعيان : ١ / ١٧٣].