أصلها فزكت فروعها وأغصانها ، ورياض الآداب التي فاضت ينابيعها وفاحت زهورها وتنوّعت أفنانها. إن أخذ في التفسير كلّ عنده الكشاف واختفى ، أو الحديث كان عن ألفاظه الغريبة مزيل الخفا ، أو الفقه عدّ للنعمان شقيقا ، أو النحو كان للخليل رفيقا ، أو الكلام فلو رآه النظّام اختل نظامه ، ولو أدركه صاحب المواقف لقال : أنت في كلّ موقف مقدّمه وإمامه ، أو الأصول ، ولو جادله السيف لاختفى في غمده ، ولقطع له بالإمامة ولم يقطع بحضرته لكلال حدّه ، أو الإمام الفخر لقال : ما لأحد أن يتقدّم بين يدي هذا الحبر ، وخاطبه لسان حاله : أنت إمام الطائفة ، والرازي على فرقة هي عن الحقّ صادفة ، ولا فخر.
ولد بالإسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة ، وتلا على الزراتيتي وتفقّه بالشيخ يحيى السّيراميّ ، وأخذ النحو عن الشمس الشّطنوفيّ والحديث عن الشيخ وليّ الدين العراقيّ ، ولازم البساطي في المعقول ، وبرع في الفنون ، وسمع الكثير ، وأجاز له العراقيّ والبلقيني والحلاويّ والمراغيّ وغيرهم ، وقرأ الفنون ، وانتفع به الخلق ، وصنّف حاشية على المغني ، وحاشية على الشفا وشرح النقاية في الفقه ، وشرح نظم النخبة لأبيه ، وأرفق المسالك لتأدية المناسك. وطلب لقضاء الحنفية فامتنع. مات في ذي الحجّة سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة.
وقلت أرثيه :
رزء عظيم به تستنزل العبر |
|
وحادث جلّ فيه الخطب والغير |
رزء مصاب جميع المسلمين به |
|
وقلبهم منه مكلوم ومنكسر |
ما فقد شيخ شيوخ المسلمين سوى ان |
|
هدام ركن عظيم ليس ينعمر |
رزيّة عظمت بالمسلمين وقد |
|
عمّت وطمّت فما للقلب مصطبر |
تبكيه عين أولي الإسلام قاطبة |
|
ويضحك الفاجر المسرور والغمر |
من قام بالدّين في دنياه مجتهدا |
|
وقام بالعلم لا يألو ويقتصر |
كلّ العلوم تناغيه وتنشده |
|
لمّا قضى : مهلا يا أيها البشر |
إذ كان في كلّ علم آية ظهرت |
|
وما العيان كمن قد جاءه الخبر |
باع طويل يد علياء مع قدم |
|
لها رسوخ سواها ماله ظفر |
النقل والعقل حقا شاهدان رضا |
|
بأنّه فاق من يأتي ومن غبروا |
أبان علم أصول الدين متّضحا |
|
وكم جلا شبها حارت بها الفكر |
وفي الكتاب وفي آياته ظهرت |
|
آياته حين يتلوها ويعتبر |
محقّق كامل الآلات مجتهد |
|
وما عسى تبلغ الأبيات والسّطر؟! |