ملكوت السماء؟ قال : نعم ، فبدأ يوسف فأمر ببنيان القرى ، وحدّ لها حدودا ، فكانت أوّل قرية عمّرت بالفيّوم قرية يقال لها شانة (١) ، وهي القرية التي كانت تنزلها بنت فرعون. ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر ، فلما فرغوا من ذلك استقبل وزن الأرض ووزن الماء ؛ ومن يومئذ أحدثت الهندسة ، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك.
قال : وكان أوّل من قاس النيل بمصر يوسف عليه الصلاة والسلام ، ووضع مقياسا بمنف.
أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبيّ ، عن أبي صالح عن ابن عبّاس ، قال : فوّض الرّيان إلى يوسف تدبير ملك مصر ، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة.
وأخرج عن عكرمة أنّ فرعون قال ليوسف : إنّي قد سلطنتك على مصر ، إنّي أريد أن أجعل كرسيّ أطول من كرسيّك بأربع أصابع ، قال يوسف : نعم.
قال ابن عبد الحكم : وحدّثنا هشام بن إسحاق ، قال : في زمان الرّيان بن الوليد ، دخل يعقوب عليه الصلاة والسلام وولده مصر ؛ وهم ثلاثة وتسعون نفسا ، بين رجل وامرأة ، فأنزلهم يوسف ما بين عين شمس إلى الفرما وهي أرض ريفيّة برّية. قال : فلمّا دخل يعقوب على فرعون ، فكلّمه ـ وكان يعقوب شيخا كبيرا حليما حسن الوجه واللحية ، جهير الصوت ـ فقال له فرعون : كم أتى عليك أيّها الشيخ؟ قال : عشرون ومائة سنة.
وكان بمين ساحر فرعون قد وصف صفة يعقوب ويوسف وموسى عليهم الصلاة والسلام في كتبه ، وأخبر أنّ خراب مصر وهلاك ملكها يكون على يديهم ، ووضع الرايات وصفات من تخرب مصر على يديه.
فلمّا رأى يعقوب قام إلى مجلسه ، فكان أوّل ما سأله عنه أن قال له : من تعبد أيّها الشيخ؟ قال له يعقوب : أعبد الله إله كلّ شيء ، قال : كيف تعبد ما لا ترى؟ قال له يعقوب : إنّه أعظم وأجلّ من أن يراه أحد ، قال بمين : فنحن نرى آلهتنا ، قال يعقوب : إنّ آلهتكم من عمل أيدي بني آدم ، ممّن يموت ويبلى ، وإنّ إلهي أعظم وأرفع ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ؛ فنظر بمين إلى فرعون ، فقال : هذا الذي يكون هلاك بلادنا على يديه ، قال فرعون : في أيّامنا أو في أيام غيرنا؟ قال : ليس في أيّامك ولا أيّام بنيك ، قال الملك : هل تجد هذا فيما قضى به إلهكم؟ قال : نعم. قال : فكيف نقدر أن نقتل من يريد إلهه هلاك قومه على يديه! فلا نعبأ بهذا الكلام.
__________________
(١) في معجم البلدان : شانة قرية بمصر سمّيت باسم بنت يعقوب النبيّ.