وثلثي منّ ، وإنّه رئي بعد فتح مصر يوزن به في ميزان الوكالة. انتهى.
فملكهم من بعده الريّان بن الوليد ـ وهو صاحب يوسف عليه الصلاة والسلام ـ فلمّا رأى الملك رؤياه الّتي رآها وعبّرها يوسف ، أرسل إليه فأخرجه من السجن ، ودفع إليه خاتمه ، وولّاه ما خلّف آباؤه ، وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير ، وأعطاه دابّة مسرجة مزيّنة كدابّة الملك ، وضرب بالطبل بمصر أنّ يوسف خليفة الملك.
وما أحسن قول بعضهم :
أما في رسول الله يوسف أسوة |
|
لمثلك محبوسا على الظلم والإفك |
أقام جميل الصّبر في الحبس برهة |
|
فآل به الصبر الجميل إلى الملك |
قال ابن عبد الحكم : حدّثنا أسد بن موسى ، حدّثني الليث بن سعد ، حدثني بعض مشيخة لنا ، قال : اشتدّ الجوع على أهل مصر ، فاشتروا الطّعام من يوسف بالذهب حتّى لم يجدوا ذهبا ، فاشتروا بالفضّة حتّى لم يجدوا فضّة ، فاشتروا بأغنامهم حتّى لم يجدوا غنما ؛ فلم يزل يبيعهم الطّعام حتّى لم يبق لهم فضّة ولا ذهبا ولا شاة ولا بقرة في تلك السنتين ، فأتوه في الثالثة ، فقالوا له : لم يبق لنا شيء إلّا أنفسنا وأهلونا وأرضونا. فاشترى يوسف أرضهم (١) كلّها لفرعون ، ثمّ أعطى لهم يوسف طعاما يزرعونه على أنّ لفرعون الخمس.
قال ابن عبد الحكم : وفي ذلك الزّمان استنبطت الفيّوم ، وكان سبب ذلك كما حدثنا هشام بن إسحاق أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لمّا ملك مصر ، وعظمت منزلته من فرعون ، وجاوزت سنّه مائة سنة ، قال وزراء الملك له : إنّ يوسف قد ذهب علمه ، وتغيّر عقله ، ونفدت حكمته ، فعنّفهم فرعون ، وردّ عليهم مقالتهم ، فكفّوا ؛ ثمّ عاودوه بذلك القول بعد سنين ، فقال لهم : هلمّوا ما شئتم من أيّ شيء أختبره به. وكانت الفيّوم يومئذ تدعى الجوبة ؛ وإنّما كانت لمصالة (٢) ماء الصعيد وفضوله ـ فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف عليه الصلاة والسلام ، فقالوا لفرعون : سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها ، ويخرجه منها ، فتزداد بلدا إلى بلدك ، وخراجا إلى خراجك. فدعا يوسف فقال : قد تعلم مكان ابنتي فلانة منّي ، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا ، وإنّي لم أصب لها إلا الجوّبة ؛ وذلك أنّه بلد بعيد قريب ، لا يؤتى من وجه من الوجوه إلّا من غابة أو صحراء ، فالفيّوم وسط مصر كمثل مصر في
__________________
(١) انظر مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ١ / ٣٦٠ ، ٣٦١.
(٢) مصالة الماء : بقيّته القليلة.