العالية حتّى ينقص ، فينزلون فيزرعون حيثما وجدوا الأرض نديّة ، وكان يأتي في وقت الزراعة وفي غير وقتها ، فلمّا عاد إدريس جمع أهل مصر ، وصعد بهم إلى أوّل مسيل النيل ، ودبّر وزن الأرض ووزن الماء على الأرض ، وأمرهم بإصلاح ما أرادوا من خفض المرتفع ورفع المنخفض وغير ذلك ممّا رآه في علم النجوم والهندسة والهيئة (١).
وكان أوّل من تكلّم في هذه العلوم وأخرجها من القوّة إلى الفعل ووضع فيها الكتب ورسم فيها العلوم ، ثمّ سار إلى بلاد الحبشة والنّوبة وغيرها ، وجمع أهلها ، وزاد في مسافة جري النيل ونقصه بحسب بطئه ، وسرعته في طريقه ، حتّى عمل حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في زمن الزراعة على ما هو عليه الآن ، فهو أوّل من دبّر جري النيل إلى مصر ؛ ومات (٢) إدريس بمصر.
والصّابئة تزعم أنّ هرمي مصر ؛ أحدهما قبر شيث ، والآخر قبر إدريس.
والأصحّ ما هو إدريس ؛ إنّما هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح.
هذا كلام التّيفاشيّ.
ذكر من ملك مصر قبل الطوفان
قال المسعودي (٣) : أوّل من ملك مصر بعد تبديل الألسن نقراوس ، وكان عالما بالكهانة والطّلسمات ، ويقال إنّه بنى مدينة أمسوس (٤) ، وعمل بها عجائب كثيرة منها أنّه عمل صنمين من حجر أسود في وسط المدينة إذا قدمها سارق لم يقدر أن يزول عنها حتّى يسلك بينهما ، فإذا سلك بينهما أطبقا عليه ، فيؤخذ ، وكان مدّة ملكه مائة وثمانين سنة.
فلما مات ملك بعده ابنه نقراوس ؛ وكان كأبيه في علم الكهانة والطّلسمات ، وبنى مدينة بمصر وسمّاها صلحة (٥) ، وعمل خلف الواحات ثلاث مدن على أساطين ، وجعل في كلّ مدينة خزائن من الحكمة والعجائب.
__________________
(١) علم الفلك.
(٢) في مرآة الزمان ١ / ٢٢٩ : رفع.
(٣) المسعودي : أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي صاحب مروج الذهب.
(٤) لم يرد لهما ذكر في معجم البلدان.
(٥) لم يرد لهما ذكر في معجم البلدان.