أو ثمان ـ وسبعين وخمسمائة ، وتفقّه على الفخر بن عساكر ، وأخذ الأصول عن السّيف الأبذّيّ ، وسمع الحديث من عمر بن طبرزد وغيره ، وبرع في الفقه والأصول والعربية. قال الذهبيّ في العبر : انتهت إليه معرفة المذهب ، مع الزّهد والورع ، وبلغ رتبة الاجتهاد ، وقدم مصر ، فأقام بها أكثر من عشرين سنة ؛ ناشرا العلم ، آمرا بالمعروف ، ناهيا للمنكر ، يغلظ على الملوك فمن دونهم. ولمّا دخل مصر بالغ الشيخ زكي الدين المنذريّ في الأدب معه ، وامتنع من الإفتاء لأجله ، وقال : كنّا نفتي قبل حضوره ، وأمّا بعد حضوره فمنصب الفتيا متعيّن فيه. وألقى التفسير بمصر دروسا. وهو أوّل من فعل ذلك.
وله من المصنّفات : تفسير القرآن ، ومجاز الفرسان ، والفتاوي الموصليّة ، ومختصر النهاية ، وشجرة المعارف ، والقواعد الكبرى والصغرى ، وبيان أحوال النّاس يوم القيامة.
وله كرامات كثيرة ، ولبس خرقة التصوّف من الشهاب السّهرورديّ. وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذليّ ، ويسمع كلامه في الحقيقة ، ويعظّمه. وقال : الشيخ أبو الحسن الشاذليّ : قيل لي : ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام ، وما على وجه الأرض مجلس في الحديث أبهى من مجلس الشيخ زكيّ الدين عبد العظيم ، وما على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق أبهى من مجلسك!
وقال ابن كثير في تاريخه : انتهت إليه رياسة المذهب ، وقصد بالفتاوى من الآفاق ، ثم كان في آخر عمره لا يتقيّد بالمذهب ، بل اتّسع نطاقه ، وأفتى بما أدّى إليه اجتهاده. وقال تلميذه ابن دقيق العيد : كان ابن عبد السّلام أحد سلاطين العلماء. وقال الشيخ جمال الدين بن الحاجب : ابن عبد السلام أفقه من الغزاليّ. وحكى القاضي عز الدين البكاريّ أنّ الشّيخ عز الدين بن عبد السلام أفتى مرة بشيء ، ثم ظهر له أنه أخطأ ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه : من أفتى له ابن عبد السلام بكذا ، فلا يعمل به ، فإنّه خطأ. قال القطب اليونينيّ : وكان مع شدّته وصلابته حسن المحاضرة بالنّوادر والأشعار ، يحضر السماع ويرقص فيه.
وقال ابن كثير : كان لطيفا يستشهد بالأشعار ، توفّي بمصر عاشر جمادى الأولى سنة ستّين وستمائة.
٦٩ ـ القرافيّ العلّامة شهاب الدّين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجيّ البهنسيّ المصريّ. أحد الأعلام. انتهت إليه رياسة المالكيّة في عصره ، وبرع