مع شروق شمس اليوم التاسع من شهر ذى الحجة يخرج كل حاج من خيمته ، ليتمشى فى سهل عرفة ويلقى نظرة على الجماهير الحاشدة المتجمعة فوق السهل. شوارع طويلة من الخيام ، مجهزة للعمل كأسواق شرقية ، تبيع كل أنواع المؤن والتموينات. كان الخيالة المصريون والخيالة السوريون قد جرى تسريحهم بواسطة رؤسائهم فى الصباح الباكر ، فى حين كانت آلاف الجمال ترعى العشب الجاف الموجود فى سائر أنحاء المخيم. صعدت جبل عرفات لكى أتمتع منها بمنظر أكثر وضوحا وتميزا للوادى بكامله. هذا التل الجرانيتى الذى يطلقون عليه أيضا اسم جبل الرحمة يرتفع فى الناحية الشمالية الشرقية من سهل عرفات بالقرب من الجبال التى هو جزء منها ولكن يفصله عنها واد صخرى ، وسهل عرفة يتردد محيطه بين ميل واحد ، وميل ونصف الميل ، وأجناب السهل محددة ، كما أن قمة السهل يصل ارتفاعها إلى حوالى مائتى قدم فوق مستوى السهل. على الجانب الشرقى نجد أن السلم الحجرى العريض يؤدى إلى قمة السهل ، كما نجد فى الجانب الغربى أيضا ممرا عريضا غير ممهد ، فوق كتل من الجرانيت الغشيم الذى يستر انحدار السهل. بعد أن ارتقيت حوالى أربعين درجة من درجات ذلك السلم العريض ، عثرت على بقعة تنحدر قليلا إلى الشمال ، ويطلقون عليها اسم موضع سيدنا آدم ، أو إن شئت فقل : المكان الذى كان يدعو فيه سيدنا آدم ، والناس يقولون : إن أبا البشر كان يتوقف فى ذلك المكان برهة وهو يدعو الله (سبحانه وتعالى) ، والحديث الشريف يقول : إن (سيدنا) جبريل علم آدم أول مرة كيف يعبد خالقه (سبحانه وتعالى) ، وهناك لوح من الرخام ، عليه نقش حديث ، مثبت على جانب الجبل. وبعد أن ارتقيت السلم إلى الدرجة الستين ، وصلت إلى حلبة ممهدة على الجانب الأيمن ، على جزء مستو من التل ، يقف عليها الخطيب ، وهو يخطب فى الحجاج فى عصر ذلك اليوم ، على النحو الذى سأوضحه فيما بعد. عند هذا الارتفاع ، تتسع درجات السلم وتسهل على نحو يتمكن معه الحصان أو الجمل من الصعود ، لكن فى الارتفاعات الأعلى من ذلك تصبح تلك الدرجات أكثر انحدارا وغير مستوية ، وعند قمة السهل يتضح المكان الذى اعتاد سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم