التحرى الدقيق الذى قمت به فى المدينة المنورة وجدت أن هذه الفكرة لا أساس لها ، ولا يوجد يهودى واحد فى شمالى الجزيرة العربية ، وبخاصة الجزء الصحراوى. اليهود الذين عاشوا فى الجزيرة العربية كانوا ينتمون إلى بنى قريظة ؛ لقد جاءوا إلى المدينة المنورة بعد استيلاء نبوخذ نصر على القدس ؛ كان ذلك عند ما قام كرب ابن حسان الحميرى (أحد ملوك توبة فى اليمن ، الذين استطاعوا وضع أيديهم على مكة) بغزوة فى اتجاه المدينة المنورة ، التى حاصرها ، وعند عودته من ذلك الحصار أحضر معه من اليمن بعضا من بنى قريظة. كان أولئك هم أول اليهود الذين استقروا فى المدينة ، ولا يزال أحفادهم يعيشون فى صنعاء (راجع تاريخ السمهودى عن المدينة المنورة).
تبعد بلدة تيماء الصغيرة مسير ثلاثة أيام عن خيبر ولكنها تبعد مسير أيام كثيرة عن الحجر ، فى اتجاه الشرق ، وتيماء يسكنها عرب العنزة وتكثر فيها التمور ، وهى لا تنتمى إلى بغداد أو القصيم ، وتيماء شأنها شأن خيبر كانت مستوطنة بدوية مستقلة قبل الحكم الوهابى. هذه البلدان الصغيرة الموجودة داخل الصحراء العربية ، تشبه الواحات التى فى الصحراء الليبية ، وهى تعد نقاط اتصال بين البدو والمناطق الزراعية المجاورة لها. سكان هذه البلدات الصغيرة من البدو ، يعملون بالزراعة ، وفى أغلب الأحيان يقومون بدور التجار الصغار الذين يبيعون لإخوانهم البدو الجائلين فى الصحراء ، البضائع التى يشترونها من سوريا أو بلدان الجزيرة العربية. إذا ما بدأنا من ناحية الشمال بمدينة الدير على نهر الفرات ، نستطيع تتبع خط من تلك الواحات ، التى هى بمثابة نقاط أو مواقع متقدمة نحو الطريق المتجه جنوبا إلى أن يصل المدينة المنورة. والدير ، والسخنة ، وتدمر ، والجوف ، ومعان ، وعولا وخيبر وتيمة ، كلها من البلدات التى يسكنها البدو ، الذين يعملون بالزراعة ويعدون بمثابة طبقة متوسطة بين البدو والفلاحين ، هذه المواقع تزداد أهميتها عند أولئك الذين يودون إخضاع البدو أو كبح جماحهم على أقل تقدير ، وقد تزداد أيضا أهمية هذه المواقع فى جعلها وسائل لبث المشاعر الطيبة بين البدو عن سكان كل من سوريا والحجاز.