وبعد أن واصلنا مسيرنا عبر السهل من كولاخ ، مع مزيد من الانحراف ناحية الجنوب ، ولمدة ثمانى عشرة ساعة ، وصلنا بعد ذلك إلى بلدة تربة ، على حد تسمية أهل الطائف ومكة لتلك البلدة ، ويصح فيها أيضا «ترابة» حسب نطق البدو لذلك الاسم. أبلغنى جندى من أولئك الذين يحملون معهم ساعات ، أنه أحصى ثلاث ساعات قطعها سيرا بين الطائف وتربة ؛ وتربة مدينة مهمة ، يصل حجمها إلى حجم مدينة الطائف ، وهى شهيرة بمزارعها ، التى تزود البلاد المحيطة بها بالتمور ، كما أنها شهيرة أيضا بمقاومتها لقوات محمد على باشا التركية ، إلى شهر يناير من عام ١٨١٥ م ، عند ما أجبر سكانها على الاستسلام. بلدة تربة تحيط بها بيارات النخيل والبساتين وهى تروى من نهيرات عدة ، وبالقرب من تربة توجد بعض التلال غير المهمة ، التى يزرع العرب عند سفوحها الذرة والشعير. سكان تربة من قبيلة البجوم ، وشيخهم هو ابن قرشان. هناك امرأة تدعى غالية ، أرملة شيخ لقى ربه ، خلّدت اسمها بأن وهبت ثروتها كلها للدفاع عن تربة ، وكانت تلعب دورا نشطا فى مجلس الرؤساء (الشيوخ). المنطقة المحيطة ببلدة تربة ، ومن تربة إلى كولاخ يسكنها عرب عتيبة ، أكثر قبائل الحجاز من الناحية العددية ، قام البجوم بإحاطة تربة بسور ، كما بنوا أيضا بعض الأبراج ، فى الوقت الحالى هناك حامية تركية متمركزة فى تربة ، نظرا لأن هذا الموقع يعد واحدا من المواقع الرئيسية ، إضافة إلى أن تربة هى بمثابة الطريق العام الذى يربط نجد باليمن.
إذا ما استأنفنا المسير من تربة فى اتجاه الجنوب ثم الانحراف شرقا إلى سلسلة الجبال الكبيرة ، حيث الأرض غير المستوية التى تتقاطع معها وديان كثيرة ، نصل بعد مسير يومين من تربة ، إلى بلدة رانية ، التى يسكنها عرب قبيلة السبيع ، وشيخهم ابن كاتنان ، تلك الشخصية التى تميزت بالشجاعة فى الحملة التى قامت بها على قوات الباشا التركية. بعد مسير ثلاثة أيام أو أربعة من رانية ، توجد بلدة بيشة ، ذلك المكان الوسيط الذى يسكنه بنو أكلوب. بيشة التى تعد أهم المواقع فيما بين الطائف وصنعاء ، أرض شديدة الخصوبة فيما بين الطائف وصنعاء ، فضلا عن غناها