هؤلاء القساوسة قس يعيش فى البرج المنعزل الموجود وسط هذه البيارات ، هذا القس يعيش عيشة الرهبان النّسّاك ، وسبب ذلك أنه الساكن الوحيد فى هذا المكان. لقد كان تخوف هذا القس من البدو هو الذى جعله يحبس نفسه شهورا داخل هذا البرج ، الذى لا يمكن الدخول إليه إلا بواسطة سلم نقال ، وهنا سقاء واحد هو الشخص الوحيد الذى يتردد على ذلك القس عند ما يجلب له كل أسبوع كمية من الماء. هذا القس موضوع هنا ليكون راعيا للدير ، لكن التجربة أثبتت فشل أو عدم فاعلية المحاولات كلها التى ترمى إلى حماية الأشجار من سلب البدو ونهبهم لها ، الأمر الذى يجعل هؤلاء البدو يتنازلون عن ثمار أو تمور هذه البيارة لكل من يبادر بالوصول إليها ، وبذلك يتحول إنتاج البيارة من التمور والذى يقدر بما قيمته أربعة آلاف أو خمسة آلاف قرش ، إلى ملكية عامة للناس أجمعين.
لقيت بعض الصعوبات فى الحصول على اللحم فى قرية وادى ؛ والسبب فى ذلك أن الأغنام جد نادرة فى شبه الجزيرة ، وليس من بين العرب من هو على استعداد لبيع ما عنده من هذه اللحوم. جرى إرسال قطيع من السويس إلى الطور ، وذلك تلبية لاحتياجات زوجة محمد على باشا وحاشيتها. وقد اضطررت إلى دفع اثنى عشر قرشا هنا ثمنا لجدى صغير.
أدى مقامى أسبوعا ثانيا فى قرية الوادى إلى تحسين صحتى تحسنا كبيرا. لم أكن قد شفيت تماما ، ولكنى كنت أتمنى استرداد المزيد من القوة التى تعيننى على رحلتى إلى القاهرة التى يمكن أن أجد فيها وسائل الشفاء الكامل. كنت ميالا إلى التعجيل برحيلى عن قرية الوادى نظرا لأن الناس كانوا يقولون : إن البدو الذين لديهم إبل لم يقدموها للمشاركة فى نقل نساء الباشا ، سوف يغادرون هذه المنطقة ، وقد حمّلوا إبلهم بالفحم المتجه إلى القاهرة ، وعندها سيكون من الصعب علىّ العثور على إبل تنقلنى إلى القاهرة. كان قد مضى علىّ ثمانية عشر شهرا لم أتسلم خلالها أية رسائل من أوروبا ، وكنت أشعر بالقلق وأود الوصول إلى القاهرة ؛ حيث عرفت أن كثيرا من الناس كانوا فى انتظارى. عرفت أيضا أن الطاعون لا بد أن يكون قد انحسر ، وأن ذلك الانحسار سيزداد عند ما أصل إلى القاهرة ، وسبب ذلك أن فصل