البدو لإحضاره ، بينما واصلت أنا مسيرى ، وخيمت فى تلك الليلة فى واد جانبى بعيدا عن الطريق ، انضم إلينا فيه من جديد ذلك الصبى البدوى ؛ إذ كان يرغب فى ألا يراه الجنود الآخرون.
بدأنا عندئذ نوجه رحلتنا على نحو لا يسمح لنا بالتقاء الجنود مرة ثانية ، ومع ذلك التقيت ذلك الجندى بعد ذلك بيومين فى بلدة الطور. كان محافظ السويس فى الطور فى ذلك التاريخ ، وكان بوسعى التقدم إليه بشكواى ، كان ذلك الجندى يخشى هذه المسألة ، ولذلك جاء إلىّ وعلى وجهه ابتسامة ، ليقول لى إنه يتمنى ألا يكون هناك ما يعكر الصفو بيننا ، وعلل الطلقة التى أطلقها بأنها كانت من باب تنبيه رفاقه إلى مساعدته فى مسألة الجمل ، ورددت عليه بأن الطلقة التى أطلقتها أنا كان لها هدف مختلف تماما ، وأنى جد آسف لأنها أخطأت الهدف ، وعقبها ضحك الرجل وانصرف لحال سبيله. ليس هناك على وجه الأرض جندى بذىء ، ومتكبر ، ورذيل ، وجبان مثل الجندى التركى ؛ الجندى التركى إذا ما أحس أنه لن يلقى مقاومة ، تجده يتصرف بطريقة فيها الكثير من الاستبداد والطغيان ، ولا يتورع عن قتل إنسان برىء ، جراء نوبة من نوبات انفعاله ، لكن الجندى التركى إذا ما لقى مقاومة حازمة ، أو عند ما يتخوف من النتائج السيئة التى يمكن أن تترتب على سلوكه تراه يلوذ بكثير من الأعمال الوضيعة والحقيرة. طوال رحلتى من أسوان إلى القاهرة ، التى كان القسم الأكبر منها بطريق البر ، صادفت أشياء مماثلة مع بعض الجنود الأتراك ، وهنا يتعين علىّ أن أضع قاعدة أمام الرحالة ، مفادها أنهم يجب أن يتعاملوا مع هؤلاء الجنود الأتراك بتكبر وتعال لأنهم يعملون للخوف ألف حساب وحساب ، وهنا يبدءون فى تغيير تصرفاتهم. قطعنا فى ذلك اليوم مسير حوالى تسع ساعات.
اليوم السابع من شهر يونيو. واصلنا سيرنا فى الوديان حوالى ساعتين ونصف الساعة ، لنصل بعد ذلك إلى جبل عال ، اضطررت عنده إلى النزول عن جملى. واستطعت الوصول إلى قمة الجبل بصعوبة بالغة ؛ نظرا لأنى كنت خائر القوى ، وكنت أرتعش لأنى كنت محموما اعتبارا من الليلة السابقة. استغرق تجاوزنا للجبل قرابة