التمور هى السلعة الغذائية الوحيدة الرئيسية فى المدينة المنورة ، كما سبق أن أوضحت. طوال فترة جنى محصول التمر التى قد تستمر شهرين أو ثلاثة أشهر (إذ إن لكل نوع من التمور موسمه الخاص) ، أو بالأحرى من شهر يوليو إلى شهر سبتمبر ، تعيش الطبقات الفقيرة على التمر ولا تأكل أى شىء سواه ، وطوال بقية العام ، تظل التمور المجففة الطعام الرئيسى لهؤلاء السكان. محصول التمر هنا له الأهمية نفسها التى فى أوروبا ، وفشل محصول التمر هنا يتسبب فى كارثة وبلاء كبير للناس. والبدوى عند ما يلاقى إنسانا على الطريق يبادره بالسؤال التالى : «ما هى أسعار التمر فى مكة أو المدينة المنورة؟» يجرى إحضار كمية كبيرة من هذه التمور إلى المدينة المنورة من مناطق بعيدة ، وبخاصة من الفراع ، والفراع هذا عبارة عن واد خصيب من ممتلكات قبيلة بنى عامر ، وهذا الفراع عامر ببيارات النخيل المتعددة ، وهو يبعد عن المدينة المنورة رحلة مقدارها مسير أربعة أيام ، كما يبعد مسافة كبيرة عن رابغ فى وسط الجبال. ويجرى إحضار التمور فى أوعية كبيرة يجرى طحن التمور فيها على شكل معجون ، كما سبق أن أوضحت. وعلى الرغم من شيوع المعاملات التجارية ، فإن قلة قليلة من الناس هم الذين يعملون بها. السواد الأعظم من السكان عبارة عن زرّاع ، أو ملاك للأرض فى الطبقات الراقية ، وخدم فى المسجد النبوى. والناس هنا يقبلون على تملك الأراضى والبساتين ، ومسألة أن يصبح الإنسان هنا من ملاك الأرض ، ينظر الناس إليها باعتبارها شيئا من الشرف ، يزاد على ذلك أن إيجار الحقول يصل إلى مبالغ كبيرة فى حال جودة محصول التمر. وإذا جاز لى أن أحكم من واقع مثالين سمعت عنهما ، فإن الحقول يجرى بيعها بطريقة ، تعطى مالك الأرض فى السنوات المعتادة ، دخلا يتردد بين اثنى عشر بالمائة وستة عشر بالمائة علاوة على رأس المال ، بعد أن يتنازل ـ كما هى العادة ـ عن نصف المحصول للزراع الفعليين. ومع ذلك ، كشفت الحسابات فى العام الماضى أن أموالهم عادت عليهم بأرباح مقدارها أربعين فى المائة. الطبقات الضعيفة لا تستطيع استثمار رؤوس أموالها الصغيرة فى البساتين ، نظرا لأنهم يرون أن ستة عشر فى المائة أو عشرين فى المائة لا يعد عائدا مناسبا لهم ، وفى الحجاز لا يرضى أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة