هناك نهيرات عدة تنحدر نازلة من هذه القمة وتروى السهل الذى تغطيه حقول خضراء ، وأشجار ظليلة كبيرة على جانب الصخور الجرانيتية. هذا المشهد والهواء المنعش الذى يهب علينا هنا يستثيران دهشة هؤلاء الذين لم يعرفوا سوى الرمال الموحشة والمحرقة فى أراضى الحجاز المنخفضة. أشاهد هنا كثيرا من أشجار الفواكه الأوروبية : أشاهد أشجار التين والمشمش والخوخ والتفاح واللوز والرمان ، أشاهد أيضا أشجار الجميز المصرى ، وأشاهد هنا وبصفة خاصة الكروم التى تعد أعنابها من أفضل الأنواع. المنطقة هنا خالية من النخيل ، لكن فيها القليل من أشجار النبق. الحقول هنا تنتج القمح والشعير والبصل لكن صخرية التربة هنا تجعل هذه الحاصلات لا تجود مثل أشجار الفاكهة. كل «بلد» ، وهذا هو الاسم الذى يطلقه الناس هنا على «الحقل» ، محاط بسور منخفض ، وهو ملك لبدوى من بدو هذيل. هذا المكان جرى تدميره وتخريبه وتدمير حقوله ، عندما استولى عثمان المضايفة على الطائف من الشريف غالب ، ولم يجر إلى يومنا هذا إعادة بناء كثير من أسوار الحقول.
بعد أن تجولنا قرابة نصف ساعة فى هذه المنطقة الجميلة ، وكان ذلك مع بداية شروق الشمس ، حيث كان الندى الجميل يغطى كل ورقة وكل عود من أعواد الحشائش ، وعندما كانت كل شجرة وكل دغل من الأدغال يرسل عبيقه فى الجو لتتلقفه الأنوف ، وعندما كان المنظر الطبيعى يسر الخاطر ويسر الناظرين ، هنا توقفت بالقرب من أكبر تلك الأفلاج ، الذى ـ على الرغم من أن عرضه لم يكن يزيد على خطوتين ـ كان يغذى على ضفتيه أشجار الطرفاء الألبية شديدة الخضرة التى لا يستطيع النيل العظيم بكل عنفوانه إنتاجها فى مصر. أحضر لنا بعض العرب شيئا من حبات اللوز والزبيب ، وأعطيناهم مقابل ذلك شيئا من البسكويت ، لكن على الرغم من نضوج الأعناب ، لم نستطع الحصول على أى شىء منها ، وسبب ذلك أن تلك الأعناب يجرى شراؤها وهى على أشجارها بواسطة تجار الطائف الذين يصدرون هذه الأعناب إلى مكة ، ويقومون بحراستها بواسطة حراس من قبلهم ، إلى أن يقوموا هم بحصادها. هنا