يقال إن الهنود بخلاء تماما ، ومن واقع ما رأيته من الهنود فى منازل بعض تجارهم الأول ، أرى أنهم يستحقون هذا الوصف. إنهم تجار شديدى الحرص ، وطماعين ، إلى حد أنهم يفوقون العرب فى ذلك. الناس يحتقرونهم لأنهم يفتقرون إلى الإحسان ، لكنهم فيما بينهم تسود بينهم روح تضفى عليهم شيئا من الاحترام ، بل وتجعل الناس يخشونهم ويخافونهم فى مكة. كثير من الهنود لهم شركاء فى الهند ، وبالتالى فهم يحصلون على البضاعة بأثمان أرخص من الأثمان التى يشترون بها من السفن الهندية فى جدة ؛ الأمر الذى يجعل التجار الصغار ، وأصحاب الداكاكين يشترون منهم بآجال قصيرة ، بدلا من السفر إلى جدة ، التى يجرى فيها الشراء بالنقد. وباستثناء منزل أو منزلين ، نجد أن تجار مكة كلهم ، لا تصلهم البضاعة من الهند مباشرة وإنما يذهبون للشراء مباشرة من الأسطول الهندى ، وليس هنا من بين سكان مكة من هم أكثر مداومة ومحافظة على الطقوس الدينية من الهنود.
عندما يتساوم تجار الجملة فى وجود شخص يودون أن يخفوا عنه أمورهم المالية والأعمالية ، يضعون أيديهم اليمنى جنبا إلى جنب عند طرف الثوب أو عند أكمام طرف من الأطراف الموجودة ، وعن طريق لمس وصلات الأصابع المختلفة ، يستطيعون ملاحظة الأعداد وبذلك يبرمون صفقاتهم فى هدوء.
المكيون الذين لا تستهويهم التجارة ، يرتبطون بالحكومة ، أو بمؤسسة المساجد ، ولكن كما سبق أن أسلفت ، يشتركون بصورة أو بأخرى فى فرع من أفرع التجارة ، فضلا عن أن السكان جميعهم يتطلعون إلى موسم الحج ، باعتباره المصدر الرئيسى للدخل.
هؤلاء الذين يعملون فى المسجد الحرام يتلقون رواتب بصفة منتظمة ويشاركون فى الهدايا والعطايا العامة التى تقدم لبيت الله ، فيما عدا بعض العطايا والهدايا الخاصة التى تأتى من أهل الخير والمحسنين ، كما يشاركون أيضا فى التبرعات التى تأتى مع القافلتين السورية والمصرية. هذه التبرعات التى يسمونها الصرة ، (التى سبق