أثناء عودتى من حى الشامية فى اتجاه السويقة ، أجد على الجانب الأيسر من هذه الشوارع حيا يطلقون عليه اسم قاراره ، وهذا هو أشهر أحياء المدينة ، وربما كان أفضلها من حيث البناء ، وفيه يبنى التجار الأثرياء منازلهم. أول تاجرين من تجار الحجاز وهما : الجيلانى والسقاط ، يمضون فى هذا الحى القسم الأكبر من العام ، ولا يذهبان إلى جدة (التى لهم فيها بعض المؤسسات والمنشآت) إلا إذا تطلب وصول الأسطول الهندى حضورهما إلى ذلك المكان. فى حى قاراره ، نجد أن نساء محمد على باشا ، ومعهن حاشية من الطواشيّة الذين يقومون على خدمتهن ، يتخذن من حى القاره مكانا لسكناهن. مساكن القاراره كلها مكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق ، وكثير من تلك المنازل مدهونة بالألوان الغامقة ، وفيها شقق فسيحة. بنى الشريف غالب لنفسه قصرا فى هذا المكان ، وجاء هذا القصر أحلى وأبهى القصور التى بناها الشريف فى مكة ، وكان يقيم فيه بصفة أساسية فى فصل الشتاء ، وقسم الشريف غالب وقته بين هذا القصر والقصر الآخر القريب من المسجد الحرام. بعض الرؤساء العسكريين أقاموا لأنفسهم مساكن فى هذا الحى ، الأمر الذى سيعجل بتخريبه وتدميره. هذه القصور تتميز عن منازل مكة الأخرى من حيث الحجم ، وعدد النوافذ.
بالقرب من القصر ، وفوق تل يمكن القول بأنه داخل البلد ، قام الشريف غالب ببناء قلعة فيها أبراج قوية على جنباتها ، لكنها أصغر من القلعة الرئيسية من حيث الحجم ، وعندما تقدم الجيش التركى صوب الحجاز ، قام الشريف غالب بتزويد هذه القلعة بالمدافع ، كما مدها بالمؤن والتموينات ، لكن حامية هذه القلعة الصغيرة شأنها شأن حامية القلعة الكبيرة سرعان ما تفرقت بعد أن جرى أسر الشريف غالب. التل المقام عليه هذه القلعة يتردد اسمه عند كثير من الشعراء العرب. مقابل هذا التل ، وفى اتجاه الجنوب الشرقى ، وفوق قمة جبل من الجبال يقع خلف حدود المدينة الخارجية ، توجد قلعة صغيرة أخرى ، كان الشريف غالب قد أصلحها ورممها. هذه القلعة يسمونها جبل هندى ، وذلك تيمنا باسم شيخ أو ولى من أولياء كشمير الذين دفنوا هنا. البرج