لم ترق لى مسألة البقاء فترة طويلة فى الطائف فيما يمكن أن أسميه السجن المؤبد ، ومع ذلك كنت عاجزا عن الحض على التعجيل برحيلى دون أن تتزايد الشكوك من حولى ، وقد أصبح ذلك أمرا شديد الوضوح بعد لقائى الأول مع كل من الباشا والقاضى ، وعرفت أيضا أن تقارير بوسارى يمكن أن تؤثر تأثيرا كبيرا فى ذهن محمد على. فى ظل هذه الظروف رأيت أن أفضل السبل إلى تحقيق ما أبتغيه هو أن أجعل بوسارى يمل منى ويسأمنى ، الأمر الذى يقنعه بعرض وجهات نظرى على محمد على باشا ، ومن ثم بدأت التصرف فى منزله تصرفات العثمانيين الوقحة ، ونظرا لأننا كنا فى رمضان فقد صمت النهار ، وفى الليل كنت أطلب عشاء مستقلا ، وفى ساعة مبكرة من صبيحة اليوم التالى طلبت إفطارا كبيرا ، قبل أن أبدأ الصيام ، وخصصت لنفسى أفضل الغرف فى منزل الرجل ، إضافة إلى أن خدم الرجل كانوا يقومون دوما على تلبية طلباتى. الكرم الشرقى يحظر التبرم من السلوك الذى يكون من هذا القبيل ، يضاف إلى ذلك أنى كنت واحدا من الرجال العظام ، وأنى كنت أقوم بزيارة للباشا. فى حوارى مع بوسارى أكدت له أنى مرتاح للغاية لوجودى فى الطائف ، وأن مناخها يناسب حالى الصحى تماما ، وأعربت له عن عدم رغبتى فى ترك المكان فى الوقت الراهن. مسألة إعاشة شخص له شخصيتى مدة طويلة فى الطائف التى تعد المؤن والتموينات بكل أنواعها شحيحة على نحو أكثر مما هى عليه فى لندن نفسها ، لم تكن أمرا سهلا أو يسيرا ، يزاد على ذلك أن الضيف الثقيل يكون مكروها فى كل مكان. مبلغ علمى أن الخطة نجحت تماما ، وحاول بوسارى إقناع الباشا بأنى مخلوق لا حول له ولا قوة ولا ضرر منه ، وذلك تمهيدا لإرسالى إلى حال سبيلى.
مكثت ستة أيام فى الطائف لم أغادر المنزل خلالها إلا عندما كنت أذهب إلى القلعة فى المساء ، إلى أن سألنى بوسارى ما إذا كان عملى مع الباشا سيمنعنى ويؤخرنى إلى وقت طويل قبل أن أستأنف أسفارى وأزور مكة. رددت عليه أنى ليس لى أى عمل مع الباشا ، على الرغم من مجيئى إلى الطائف بناء على رغبته ، لكنى كنت سعيدا جدا بموقفى ، وبخاصة فى وجود صديق كريم وصدوق مثل بوسارى مضيفى.