وسمع بقراءتي عليه الحديث ، وكتب لي بخطه شيئا من شعره بسؤالي إياه ، وسمعته منه ، وسألته عن مولده فما ذكر ، وقال : إني أعيش جوافا.
ذكر رفيقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار في التاريخ المجدد لمدينة السلام ، وأجاز لنا الرواية عنه ، قال : سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ، أبو الفوارس ، الشاعر المعروف بالحيص بيص ، كان جده لأبيه قد فارق قومه بني تميم ، ونزل كرخ بغداد ، وولد أبوه بها ببركة زلزل (١) ، ولهذا يقول ولده في قصيدة له مفتخرا :
ملك ثوى بالجاهلية رمسه |
|
فبعثته مني ببركة زلزل |
ولد سعد بالكرخ بدرب المنصور ، وطلب العلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وسافر الى الري ، وقرأ المذهب والخلاف هناك على رئيسها محمد بن عبد الكريم ابن الوزان الشافعي ، وتكلم في مسائل الخلاف ، وناظر فيها الفقهاء ، قرأ على أسعد الميهني أيضا ، ثم إنه قرأ الأدب ، وقال الشعر ، وأعطي حظا من الفصاحة في النظم والنثر ، ومدح الخلفاء والملوك والوزراء والكبراء ، وقال الشعر في جميع الفنون فأجاد ، واتفق الخاص والعام على تفضيله على شعراء وقته ، ولزم قانونا من الوقار لم يكن لأحد من أبناء جنسه (٢٧٦ ـ و) وكان وافر الحرمة عند الخاص والعام ، ولقب بملك الشعراء ، وكان يلبس القباء والعمامة ، ويتزيا بزي العرب الغرباء ويتقعر في كلامه ، وقيل : إن سبب تلقيبه بالحيص بيص أنه قال لبعض أصدقائه بأصبهان في جملة عتاب عاتبه في جمع من الناس : وقعت منك في حيص بيص ، أي في شدة ، وتلى ذلك أن قال في أبيات ذم فيها الزمان :
لئن أصبحت بينكم مضاعا |
|
أبيع الفضل مجانا رخيصا |
وعاقني الزمان عن المعالي |
|
فصرت إلى حبائله قنيصا |
فإني سوف أوقعكم ببأسي |
|
وإن طال المدى في حيص بيصا |
فلقب الحيص بيص ، وصار لا يعرف إلّا به ، سمع شيئا من الحديث من الشريف أبي طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي ببغداد ، وأبي المجد محمد بن
__________________
(١) بركة زلزل : ببغداد بين الرخ والسراة وباب المحول وسويقة أبي أورد.
معجم البلدان.