عند الأمير مهلهل الجاواني ، وخرج منها قاسدا الأمير فخر الدين هندي الزهيري فلما قرب من حلّته وهو نازل في بلاد الزاب ، علم هندي به فخرج إليه مستقبلا له فلما نزل واستراح وحضر الطعام ورفع من بين أيدي الحاضرين التفت إليه الأمير فخر الدين وقال له : أيها الأمير شهاب الدين ما الأمر الذي أوجب الحضور هاهنا؟ قال : أتيتك مادحا ، ففرح الأمير فخر الدين بقوله ذلك ، وقال له : يا شهاب الدين كلما تريده عندي إلّا من يعلم ما تقول ويفهم ما تأتي به ليس عندي ، بلى إن أنعم الأمير وصبر حتى أنفذ إلى الهرث (١) أحضر ابن المعلم ، وإلى واسط استحضر منها الفضلاء ، وكذلك من الحلة والنيل فعل منعما؟ قال : قد صبرت.
قال : فنفذّ الأمير فخر الدين هندي إليّ فارسا قطع المسافة وهي مسيرة ثلاثة أيام بيوم وليلة واستدعاني ، وعرّفني الخبر فركبت معه وحثثنا أنفسنا أيضا بيوم وليلة وأصبحنا عنده ، وكان قد أوقف على دجلة من يستحضر المنحدرين والمصعدين ممن له ميزة ونباهة ، وحضر من الفضلاء من أهل واسط والحلة والنيل جمع كثير ، وضرب خيمة كبيرة وطرح فيها طراحة ومسندا جلس الأمير شهاب الدين على الطراحة واستند إلى المسند ، وأخرج الورقة من كمه وأنشد القصيدة وأولها :
أأجا وسلمى أم بلاد الزاب |
|
وأبو المهند أم غضنفر غاب (٢٧٣ ـ و) |
فلما فرغ من إنشاده قلت له : يا مولانا ما رأيت مجلسا أشبه بمجلس طاهر العلوي لما امتدحه المتنبي من هذا المجلس ، ثم أمر الأمير فخر الدين هندي فأحضر ما كان قد أعده له ، فكان عينا ثلاثمائة دينار مصرية وفرسا عربية عليه سرج ولجام ومقود مضروب على السيور ، كلها دنانير مصرية ، وثيابا وعبيدا وإماء قوّم ذلك كله بألف دينار مصرية ، ثم اعتذر إليه وقال : أيها الأمير شهاب الدين أتيتني وأنا مملق ما أملك والله شيئا ، سوى ما قد دفعته لك ولم يتخلف لي إلّا الحلة ، وهي بمن فيها موهوبة مني لك فقال له : يا فخر الدين لا تعتذر فقد أكرمت وبالغت في الاكرام ، والله لقد أجزتني أكثر من إجازة ابن ملكشاه ، يعني السلطان (٢) سنجر.
__________________
(١) الهرث قرية من أعمال واسط. معجم البلدان.
(٢) أعظم سلاطنة السلاجفة بعد ملكشاه انظر حوله كتابي تاريخ العرب والاسلام : ٣٣٤ ـ ٣٣٥.