عليه حتى يعلمكم أمره ، فاشتد عليه قيصر عند ذلك وتوعده بالقتل وجعل له الامان على أن يحقق له الخبر عن أمره ، فقال لهم سابور : عجبا لكم ومن طمعكم بي أن يؤثر سابور الجهد والحاجة والجوع في بلادكم على المقام في ملكه ونعمته ، فلم يقبلوا ذلك منه ولم يخلوا عنه حتى اعترف لهم سابور ، فاشتد فرح قيصر وجنوده وقالوا : قد أعظم الله علينا النعمة فساق الينا عدونا وأمكننا منه فنحن منتقمون منه ومنزلون به وبأرضه ما أجرم الينا سابور الاول ، فأمر قيصر بسابور فجعل في نقرة جوفاء من جلود البقر ، ثم أطبق عليه وألزمه الرقباء والحفظة (١٥٢ ـ ظ).
وسار بجنوده الى أرض فارس ، ثم أرسل اليهم : اني قد أخذت ملككم فاما أن تفتدوه واما ان أقتله ، وأمر سابور أن كتب الى أهل أرضه ، فيرسل أهل كل مدينة بما يسألهم ، فجعل لا ينزل بأرض الا أخربها ، وجعلت الاعاجم تتقيه بكل ما قدرت عليه ، فكثر منه القتل والاخراب في مدائنهم وقراهم والعقر في نخلهم وشجرهم وسابور معه يسير به حيث ما توجه ، حتى انتهى الى جنديسابور ، وكان قد تحصن جنود فارس وعظماؤهم ، فنصب عليهم المجانيق حتى هدم نصفها ، ولم يستطع دخولها فبينا هو كذلك إذ غفل حراس سابور من الروم ذات ليلة فلم يغلقوا الباب الذي كان يلقى اليه الطعام في النقرة ، وكانت ليلة مقمرة ، وكان حول النقرة ممن غنمت الروم من سبي الأهواز أناس كثير ، فرفع سابور رأسه وقبل ذلك ما سمع كلامهم وعرف لغتهم ، وكان عندهم زقاق زيت فدعا سابور بعضهم فقال : خذوا من هذه الزقاق فأفرغوه على رأسي ففعل ذلك فابتل القد ولأن ، وكان قد نحل جسمه فلم يلبث أن أسبل يديه ورجليه من الوثاق وخرج من النقرة يدب على قوائمه شبه الدابة حتى اذا جاء من باب المدينة رآه الحراس فصاحوا به ، فأشار اليهم ان اصمتوا وأخبرهم باسمه ، فعرفوا صوته ففتحوا له باب المدينة ، فلما دخل (١٥٣ ـ و) على أهلها اشتد سرورهم به ورفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه.
فاستنبه قيصر وأصحابه بأصواتهم ، وظنوا أنه أتاهم مدد من ورائهم ، ثم قال لهم سابور : استعدوا وثعبوا فاذا سمعتم صوت ناقوس الروم فاركبوا خيولكم ، فإذا ضرب به الثانية فواقفوهم فإني أرجو أن يفتح الله لكم عليهم ، ويفل حدهم ففعلوا ذلك بهم ، فقتلوا الروم أبرح القتل ، وأمرهم سابور أن يأخذوا قيصرا أسيرا ولا