بعد ما شرطتم لدارا بن دارا الملك من الكف عن بلاده والتشبه بالنساء في اطالة الشعر واتخاذ الأزر ، وكان دارا بن دارا الملك ابن عم بابك بن ساسان والد أزدشير.
فلما بلغ سابور ما في نفسه ، وأدرك منهم ثأره ، قال لمن معه من الجنود : اني أريد دخول أرض الروم ومستخف فيها (١٥١ ـ ظ) حتى أبحث عن أسرارهم وأعرف عدة جنودهم ومسالك بلادهم حتى إذا بلغت نهمتي من ذلك ، وحاجتي انصرفت الى مملكتي ، فسرت إليهم بمن احتاج إليه من الجنود فحذره الجنود التغرير بنفسه فلم يقبل ، وانصرف متنكرا حتى دخل أرضهم فمكث فيها حينا يجول فيها ، فبينما هو كذلك إذ بلغه ان ابن قيصر أعرس فأولم وليمة لسفلة الناس ومساكينهم ، وأمر أن يجمعوا له ويحضروا طعامه بعد فراغه من طعام الأشراف ، فانطلق سابور متهيئا بهيئة السؤّال حتى شهد ذلك الجمع ، لينظر الى قيصر ويعرف هيئته في مجلسه وطعامه فبينما هو كذلك إذ أتي قيصر باناء يشرب فيه من آنية سابور منقوش فيه تمثال سابور فجعلوا يسقون به قيصر ومن حوله ، حتى انتهى الاناء الى حكيم من حكمائهم الذين ينظرون في النجوم ، ويعرفون الفراسة فنظر في التمثال الذي فيه ، وقبل ذلك ما قد كان أبصر وجه سابور وهو جالس في رفقة المساكين ، فأمسك الاناء وقال : اني لارى أمرا معجبا قال قيصر : وما ذلك؟ قال الحكيم : أرى في الجلساء رجلا شبيه الصورة بهذا التمثال ، فان لم يكن ذلك سابور فما في الأرض أحد أشبه منه به ، فأمر قيصر فدعا سابور اليه فسأله عن أمره ، فقال : أنا رجل مسكين من أهل فارس ، وكان سابور جميل الوجه حسن الصورة ، معتدل القامة ، تام الخلق ، فازداد قيصر لما رأى من حاله في ذلك ارتيابا (١٥٢ ـ و) في أمره وأحس بأنه لم يصدقه عن نفسه ، فألح عليه في السؤال وقال ما صدقتنا عن خبرك ، فقال سابور : أما إذا أبيتم إلّا التقصي عن أمري فاني لا أجد من صدقكم بدا ، أنا من أساورة فارس ، وكان والذي قد أجرم الى ملكنا جرما عظيما فقتله واستصفى ماله فتخوفته على نفسي ، فلحقت بكم وقد أصابني فقر ومسكنة ، فأتيت هذا الموضع لما بي من الجوع والجهد والفاقة ، فرقوا له وظنوا أن قد صدقهم عن نفسه ، فهموا بتخلية سبيله ، فأبى ذلك العالم عليهم أن يخلوه ، ونظر في حسابه فأتاه في ذلك ما وافق ظنه ، وقال : اعلموا ان هذا سابور نفسه فاستوثقوا منه واشتدوا