وكان عادلا يميل إلى الدين وأهله ، وكان أخوه عز الدين مسعود بن مودود بعد موت الملك الصالح ابن عمه قد ملك حلب فسير إليه عماد الدين زنكي وقال : كيف تختص أنت ببلاد عمي وابنه وأمواله ، وأنا لا أصبر على ذلك وطلب منه حلب ، ويدفع إليه سنجار عوضا عنها ، فأجابه إلى ذلك ، وأخذ جميع ما كان بحلب من الأموال والذخائر ، واتفقا على تسليم حلب إلى زنكي وتسليم سنجار إلى عز الدين ، فسير عماد الدين زنكي ولده قطب الدين الى حلب فتسلمها ، ثم ورد بعده بأهله وأمواله وزوجته بنت عمه نور الدين وأجناده ، ووصل إلى حلب على البرية من جهة الأحصّ والتقاه أكابر الحلبيين ، وصعد إلى قلعة حلب في ثالث عشر المحرّم من سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وقيل في مستهله ، ووصل الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى حلب ونزل عليها ثلاثة أيام ، فقال له زنكي : مر إلى سنجار وافتحها وادفعها إليّ وأنا أدفع إليك حلب فرحل الملك الناصر عن حلب ومضى إلى الموصل ، ثم رحل (٢١٦ ـ و) عنها إلى سنجار وفتحها في ثاني عشر شعبان من السنة وعاد عنها وعزم على منازلة حلب ، وبلغ عماد الدين زنكي ذلك فخرب عزاز وحصن بزاعا وحصن بالس ، وحصن كفر لاثا بعد أخذه من بكمش ، وأخذ رهائن الحلبيين خوفا من تسليم البلد ، ونزل الملك الناصر على حلب وقت الضحى من يوم السبت لأربع بقين من المحرّم من سنة تسع وسبعين وخمسمائة وأقام عليها شهرا يجد في القتال ، فرأى عماد الدين زنكي أنه لا طاقة له به وأن أخاه عز الدين قد جعلها خالية من الأموال والذخائر ، فأحضر اليه الأمير طمان واتفق معه على أن يخرج في السر ليلا ، ويتحدّث في تقرير الأمر بينهما على تسليم حلب وأعمالها الى الملك الناصر وأن يعوضه عنها بسنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج ، وأن تكون بصرى لطمان ، ويكون في خدمة زنكي ، وكتم ذلك عن الحلبيين والأجناد ، وكان يخرج الى اصطبله وداره بالحاضر ويظهر أنه يخرج لحفظ أخشابه بهما ، ويجتمع بالسلطان الى أن قرر ما قرره ، ولم يشعر أحد من الجانبين إلا وأعلامه قد رفعت على قلعة حلب ، واستقر الأمر على إجراء الأمراء وأعيان المدينة على عادتهم في معايشهم وأملاكهم ، وكان الحلبيون يجدون في قتال عسكر الملك ويخرج منهم في كل يوم عشرة آلاف مقاتل أو أكثر يجدون في القتال ، فخافوا على أنفسهم لما تكرر