والشام ، هذا كله ودبيس (١) مقيم بفم البرية يتواعد بغداد بالخراب ، وبلغ أتابك عماد الدين وفاة السلطان محمود بن تبر ، وهو على القريتين ، فسار نحو الموصل ليلة الخميس سادس عشر شوال ومعه دبيس.
وكان لهذا السلطان عند الأمير ولدان أحدهما الذي كانت أمه عند سنقر البرسقي وماتت ، اسمه ألب أرسلان أبو طالب ، والآخر الذي كان عند دبيس ، فبعث عماد الدين يسوم المسترشد أن يخطب لأبي طالب (٢٠٨ ـ ظ) ولد السلطان ، فاعتذر المسترشد إليه بأنه صبي ، وأن المنقول رسم لولده داوود وهو بأصبهان ، وقد وصلت رسل البلاد كلها تقول : اخطب لداوود فنحن له طائعون ، وأنا منتظر جواب كتاب سنجر عم القوم ، وكان أتابك عماد الدين قد أخذ خبر عودة ابن الأنباري رسول الخليفة من دمشق ، كان المسترشد نفذه في معنى دبيس الى تاج الملوك ، فوجده قد صار الى عماد الدين ، فعاد وكانت في صحبته قافلة عظيمة فيها أموال ، فبعث عماد الدين إليه سرية للقبض عليه ، فقبضوا عليه ونهبوا القافلة في كياد الخليفة وفك القيود عن دبيس وخلع عليه ، وحمل له من المال والجوهر والخيل والعدد ما لا حدّ عليه ، وخرج من الدار التي كان يشرب فيها وسلمها إليه بآلاتها وكل ما فيها (٢).
قلت : وبعد ذلك وصل داوود بن محمود بن محمد بن ملكشاه الى زنكي ، فأخذه وسار به الى بغداد وأنزله في دار السلطنة ببغداد ، وزنكي في الجانب الغربي والخليفة إذ ذاك الراشد بعد قتل المسترشد ، فوصل السلطان مسعود الى بغداد فحصرهم بها ، فوقع الوباء في عسكره ، فسار الى أرض واسط ليعبر الى الجانب الغربي ، فاغتنم زنكي غيبته ، وسار الى الموصل وسار داوود الى مراغة (٣) ، وبلغ الخبر الى السلطان مسعود ، فعاد فهرب الراشد ولحق أتابك زنكي بالموصل ، ودخل مسعود بغداد ، فبايع محمدا (٢٠٩ ـ و) المقتفي ، وخطب له ببغداد وأعمال
__________________
(١) انظر ترجمة دبيس التي تقدمت في مجلدنا هذا نفسه.
(٢) لمزيد من التفاصيل انظر تاريخ دمشق لابن القلانسي : ٣٦٦ ـ ٣٦٨. وانظر أيضا تاريخ العظيمي : ٣٨١ ـ ٣٨٤.
(٣) مراغه بلدة مشهورة عظيمة ، اعظم وأشهر بلاد أذربيجان. معجم البلدان.