جاء فمن وجده قد تخلف أتاه به ، فبينا هو يطوف في أحياء الكوفة إذ وجد رجلا من أهل الشام قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له ، فأرسل به الى ابن زياد ، فأمر به ، فضربت عنقه ، فلما رأى الناس ذلك خرجوا.
قالوا : وورد كتاب ابن زياد على عمر بن سعد ، أن امنع الحسين وأصحابه الماء ، فلا يذوقوا منه حسوة (١) كما فعلوا بالتقي عثمان بن عفان ، فلما ورد على عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجاج أن يسير في خمسمائة راكب ، فينيخ على الشريعة ، ويحولوا بين الحسين وأصحابه ، وبين الماء ، وذلك قبل مقتله بثلاثة أيام ، فمكث أصحاب الحسين عطاشى.
قالوا : ولما اشتد بالحسين وأصحابه العطش أمر أخاه العباس بن علي ـ وكانت أمه من بني عامر بن صعصعة ـ أن يمضي في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، مع كل رجل قربة حتى يأتوا الماء ، فيحاربوا (٧٤ ـ و) من حال بينهم وبينه.
فمضى العباس نحو الماء وأمامهم نافع بن هلال حتى دنوا من الشريعة ، فمنعهم عمرو بن الحجاج ، فجالدهم العباس على الشريعة بمن معه حتى أزالوهم عنها ، واقتحم رجّالة الحسين الماء ، فملأوا قربهم ، ووقف العباس في أصحابه يذبون عنهم حتى أوصلوا الماء الى عسكر الحسين.
ثم إن ابن زياد كتب الى عمر بن سعد : أما بعد ، فإني لم أبعثك الى الحسين لتطاوله الأيام ، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ، ولا لتكون شفيعه إلي ، فاعرض عليه ، وعلى أصحابه النزول على حكمي ، فإن أجابوك فابعث به وبأصحابه إلي ، وإن أبوا فازحف إليه ، فإنه عاق شاق ، فإن لم تفعل فاعتزل جندنا ، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمرناه بأمرنا ، فنادى عمر بن سعد في أصحابه أن انهدوا الى القوم ، فنهض إليهم عشية الخميس وليلة الجمعة لتسع ليال خلون من المحرم ، فسألهم الحسين تأخير الحرب الى غد ، فأجابوه.
قالوا : وأمر الحسين أصحابه أن يضموا مضاربهم بعضهم من بعض ، ويكونوا
__________________
(١) أي جرعة بقدر ما يحسوه المرء بيده مرة واحدة.